قالوا : والمعنى في الآية : جانب يوسف المعصية لأجل الله ، ولا يتأتّي هذا التأويل في مثل : (حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١] والصحيح أنها اسم مرادف للبراءة من كذا ؛ بدليل قراءة بعضهم : حاشا لله بالتنوين ، كما يقال : «براءة لله من كذا» ، وعلى هذا فقراءة ابن مسعود رضياللهعنه حاش الله كـ «معاذ الله» ليس جارّا ومجرورا كما وهم ابن عطيّة ، لأنها إنما تجر في الاستثناء ، ولتنوينها في القراءة الأخرى ، ولدخولها على اللام في قراءة السبعة ، والجارّ لا يدخل على الجارّ ، وإنما ترك التنوين في قراءتهم
______________________________________________________
كانت اللام عوضا عن الألف المحذوفة لم تجامعها ، وقد اجتمعتا في قراءة بعض السبعة (حاشَ لِلَّهِ ،) بإثبات الألف ، ويجاب عن ذلك بأن اللام عند ثبوت الألف ليست عوضا ، لكنها بعد الحذف اعتبرت عوضيتها عن المحذوف ، فلم يلزم اجتماع العوض والمعوض عنه ، (قالوا : والمعنى في الآية) التي هي (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ،) (جانب يوسف المعصية ؛ لأجل الله ولا يتأتي مثل هذا في حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً) (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) [يوسف : ٣١] ، فإن هذا ليس مقام التبرئة من المعصية ، وإنما هو مقام التعجب من الحسن البارع ، (والصحيح أنها اسم مرادف للبراءة) وفي بعض النسخ مرادف للتنزيه (بدليل قراءة بعضهم حاشا لله بالتنوين ، كما يقال براءة) وفي النسخة التي ثبت فيها لفظ التنزيه تنزيها لله من كذا ، (و) إذا بنينا (على هذا فقراءة ابن مسعود حاش الله كمعاذ الله ، وليس جارا ومجرورا كما توهم ابن عطية ؛ لأنها إنما تجر في الاستثناء) وليس هنا استثناء ، وقد ذكر النبلي شارح «الحاجبية» أن حرفية حاشا لا تتوقف على الاستثناء ، ورد على ابن الحاجب تقييد حرفيتها بذلك حيث قال في الكافية : في حروف الجر : وحاشا في الاستثناء ، وزعم أنه يقال : حاشا زيد أن يقوم على الابتداء والخبر ، والتقديم والتأخير كما تقول : على زيد أن يقوم نقله المصنف عنه في حواشي «التسهيل» ، ولم يتعقبه بل ذكره كالمستدرك به على ابن مالك ، (ولتنوينها في القراءة الأخرى) والتنوين لا يدخل الحرف ، (ولدخولها على اللام في قراءة السبعة ، والجار لا يدخل على الجار) إلا شذوذا كقوله :
فلا والله لا يلفى لما بي |
|
ولا للما بهم أبدا دواء (١) |
ولابن عطية أن يقول : إنما حكمت بالحرفية حيث لا تنوين ولا لام ، والكلمة تستعمل اسما وحرفا ، فحيث دخل عليها التنوين أو دخلت هي على لام الجر حكم بالاسمية ، وحيث انتفيا جاز الحكم بالحرفية فلا يرد عليه ما قاله المصنف ، (وإنما ترك التنوين في قراءة الجماعة
__________________
(١) البيت من البحر الوافر ، وهو لمسلم بن معبد الوالبي في خزانة الأدب ٢ / ٣٠٨ ، والدرر ٥ / ١٤٧ ، وبلا نسبة في الإنصاف ص ٥٧١ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٤٣.