[٧٩] ان هؤلاء الأميين مقصرون لا ريب في ذلك. الا ان وزرهم الأكبر يقع على عاتق أولئك الذين ضللوهم وحرفوا معاني الكتاب حتى حولوه الى مادة تخدير ، من بعد ان كان مادة تفجير. وحولوه الى مثير أحلام ، من بعد ان كان مستثيرا للعقل ومنهجا للفكر. لذلك يحدثنا القرآن عن هؤلاء فور ما ينهي حديثه عن الأميين ويقول :
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً)
وهؤلاء هم أولئك المحرفون الذين سبق الحديث عنهم ، انما يكرره القرآن ليلقي عليهم بمسؤولية ضلالة الأميين وليقول ان الهدف من التحريف انما هو الحصول على المكاسب المادية التافهة. تلك المكاسب التي لا تهنأ لهم وتلك الحرفة التي سرعان ما تتحول الى نقمة.
(فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)
أي كسب مبارك تلك الحرفة التي تؤدي بانحراف الملايين من الناس ، وتجعلهم عرضة للاستغلال والاستعباد؟! ان الطغاة يريدون أبدا ان يتحكموا في مصير الضعفاء. والطريق الوحيد لحماية الضعفاء من الطغاة ، هو تسليحهم بفكرة ثورية تعلمهم كيف يجب ان يحافظوا على كرامتهم ، ويستردوا حريتهم. والدين هو تلك الفكرة الثورية ، والعلماء هم أمناء الله على هذه الفكرة. فاذا خان هؤلاء مسئوليتهم ، فاي جريمة كبري يقترفون ، حيث يجردون ملايين الضعفاء من سلاحهم الوحيد ، ويتركون الطغاة يستغلونهم. بل انهم يساهمون في هذا الاستغلال مباشرة عبر تفسيرهم التحريفي للدين.