ولان القرآن يفسر بعضه بعضا ، فان السياق القرآني القادم أوضح بيان لهذه الكلمة. حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى : (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)
ان تفسير الكتاب وفق ما يتمنونه ، أو بتعبير أخر : حمل آيات الكتاب على آرائهم الموافقة لاهوائهم ، وبالذات فيما يرتبط بتبرير فسادهم وخداع أنفسهم بان العذاب لا يشملهم ، لأنهم أبناء الله واحباؤه ، أو لأنهم من أولاد الأنبياء الكرام أو ما أشبه. والواقع يعتبر هذا أوضح معاني الامنية.
ومن هنا نعرف بلاغة التعبير القرآني ، حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى : «لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ» وكأنهم يعلمون فقط اماني الكتاب ، أو هكذا يفسرونه حسب أمانيهم. وفي معنى هذا ، آيات اخرى : قال الله سبحانه :
«وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ» (١١١ / البقرة)
«لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ» (١٢٣ / النساء)
والاماني التي يخدع بها هؤلاء أنفسهم هي التي يفضحها السياق القرآني في الآيات الآتية.
الظن :
اما الظن الذي يقول عنه ربنا سبحانه وتعالى : «وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ» فلعله درجة أعلى من الاماني. حيث ان الفرد يحلم بشيء ويحلم ، حتى يخيّل اليه صدق هذا الشيء بل يكاد يقنع نفسه به ، ويبدو ان نسبة الثقة بالفكرة ليست بذات اهمية ، فقد تكون أكثر أو أقل من خمسين بالمائة. انما المهم جذر الفكرة وكيفية بروزها في النفس.