كما باع سعود جزءا من هذه الكنوز إلى شريف مكة ، وحمل الباقى معه إلى الدرعية. ومن بين الأشياء الثمينة التى أخذها سعود معه إلى الدرعية ، قطعة ثمينة جدا ، عبارة عن نجمة لامعة محاطة بالماس واللؤلؤ كانت معلقة فوق قبر النبى صلىاللهعليهوسلم مباشرة. والعرب يتكلمون دوما عن هذه القطعة الثمينة ، التى يطلقون عليها اسم الكوكب الدّرى. فى هذا المكان كانت توضع كل أنواع الأوانى المرصعة بالجواهر ، وفى هذا المكان كانت توضع أيضا الأقراط ، والأساور ، والعقود ، والزينات الأخرى ، التى ترد على سبيل الهدايا من سائر أنحاء الإمبراطورية التركية ، لكنها كان يجرى إحضارها بواسطة كبار الحجاج الذين يمرون على المدينة (المنورة). والذى لا شك فيه أن ذلك كله كان يشكل مجموعة قيمة لكنها ليست صعبة أو عسيرة التقييم على العكس مما يتخيله بعض الناس. وقد قدر الشريف غالب ذلك الجزء الذى اشتراه بحوالى مائة ألف دولار ، ويقال إن أعيان المدينة المنورة نقلوا ما مقداره مائة وزنة من الأوانى الذهبية ، أى ما يساوى ما يتردد بين أربعين ألف دولار وخمسين ألف دولار ، ويقال إن ما أخذه معه سعود إلى الدرعية كان عبارة عن لؤلؤ ومرجان ، وإنه لم يكن يصل إلى قيمة ذلك الذى اشتراه الشريف غالب. هذا يعنى أن القيمة الإجمالية لهذه الأشياء الثمينة يمكن أن تقدر بحوالى ثلاثمائة ألف دولار. لم يكن للنقود وجود من هذه الإيداعات ؛ لأن الهدايا النقدية التى كانت تقدم للمسجد كان يجرى توزيعها على سدنته فى الحال. وهذا سبب وجيه يجعلنا نسلم بأن الهبات والعطايا التى قدمها المؤمنون على امتداد عصور طويلة وأزمان طويلة أيضا ، وصلت قيمتها إلى ما هو أكبر بكثير مما سبق ذكره ، لكن قد يكون الأمر غريبا ، إذا لم يقم حكام المدينة (المنورة) ، أو رعاة القبر نفسه ، بالإغارة بين الحين والآخر على هذه الكنوز ، مثلما حدث مع علماء مكة ، قبل ثلاثمائة سنة ، عند ما سرقوا مصابيح الكعبة المصنوعة من الذهب ، وأخرجوها من المسجد الحرام مخبئين إياها فى ثيابهم ، وذلك على حد قول المؤرخ قطب الدين.
طوسون باشا نفسه ، عند ما وصل إلى المدينة (المنورة) راح يبحث عن الأوانى الذهبية ، التى قام أعيان المدينة (المنورة) ببيعها من جديد لبعض السكان ، ولم يجر صهرها ، وقد عثر طوسون باشا على أوان متعددة ، واشتراها من أصحابها بمبلغ عشرة آلاف دولار ، وأعادها إلى مكانها السابق.