أحدا من المواطنين فى الوقت الراهن يدرس أى نوع من المعارف ، ولم أر سوى قلة قليلة من الحجاج الأتراك وهم يشرحون بعض الكتب مستخدمين فى ذلك لغتهم الخاصة بهم ، ولا يستمع إليهم سوى قلة قليلة من رواد المسجد ، ويروحون يجمعون من المستمعين مبالغ من المال تعينهم على تكاليف رحلة العودة إلى وطنهم. وهذا هو طوسون باشا ، العضو الوحيد من بين أفراد أسرته الذى لا يعد من الموحدين المتشددين ، يداوم على حضور تلك المحاضرات ، وكان يجلس مع الأفراد الآخرين ضمن الدائرة التى ينتظمون فيها. قيل لى إن بعض المحاضرات العامة يجرى إلقاؤها فى المدرسة التى يسمونها الحمدية ، لكنى لم تتح لى فرصة تأكيد هذه الحقيقة. وأنا لا أظن أن فى الإمبراطورية الإسلامية مدينة بحجم المدينة (المنورة) لا يجرى فيها إلقاء المحاضرات فى المساجد ، يزاد على ذلك ، أن هناك دلائل على أن ذلك كان هو الحال التى كانت عليه المدينة المنورة ، فى الأزمان السابقة ، وأن هذه الدلائل تتمثل فى كثير من المنشآت الدينية التى أنشئت خصيصا لهذا الغرض ، والتى لا يزال العلماء يحصلون على خبراتها وعطاياها دون القيام بالواجبات المطلوبة منهم.
الحرم ، أو إن شئت فقل : الحرم المدنى ، شأنه شأن الحرم المكى ، له أوقاف كثيرة وسناهيات (*) كثيرة فى سائر أنحاء الإمبراطورية التركية. دخل الحرم النبوى السنوى يجرى تقسيمه بين الطواشية ، والعلماء ، والفراشين. أما المصروفات اليومية الخاصة بالإضاءة والصيانة ، فتكون على حساب الجميع. فيما عدا الأشياء الثمينة الموجودة فى الحجرة ، لا توجد أية كنوز مالية فى المسجد ، وتلك ميزة مزدوجة عند أهل المدينة (المنورة) ، الذين تحصل طائفة كبيرة منهم على دخل مريح ، فى الوقت الذى يكون فيه أهل المدينة (المنورة) كلها فى مأمن من الخطر والعراك الداخلى ، الذى كان يمكن أن يحدث لو علموا أن الاستيلاء على المسجد يمكن أن يعود عليهم بمبالغ كبيرة. لقد ولت وانتهت فى الشرق تلك الأيام ، التى كان الناس فيها يضعون كنزا ثمينا فى مكان مقدس حماية لذلك الكنز من السرقة والسلب والنهب. هذا يعنى أن أصغر المبالغ
__________________
(*) السّناهية : بتشديد السين وضمها ، المرتب السنوى الذى يحصل الإنسان عليه مدى الحياة. (المترجم)