على أن معرفة العرب في الجاهلية في موضوع الأزمنة والأنواء كانت معرفة عملية ، قائمة على التجربة المستمرة خلال السنين والدهور ، ومبنية على مجرد العيان ، غير مستنبطة بالنظر العقلي والبحث العلمي ، ولجهلهم علوم الرياضيات والهندسة (١).
ولا يسعنا أن نغفل هاهنا عن الإشارة إلى أن العرب قد أخذوا شيئا من معارفهم في الأزمنة والأنواء من جيرانهم من الأمم السامية الساكنة في البلاد الواقعة في شمال جزيرة العرب ، ولا سيما أهل بابل من الكلدان سكان سواد العراق. فقد برع هؤلاء في الزمن السحيق في معرفة النجوم الثابتة وحركات الكواكب السيارة ، لأنهم كانوا أهل زراعة وري فيما بين النهرين : دجلة والفرات ، وكانوا على مبلغ كبير من الحضارة. وكانت القبائل العربية الضاربة في بوادي نجد والحجاز ، القريبة من سواد العراق ، على علاقات وثيقة جدا بسكان السواد ، منذ أقدم الأزمان. فلا يبعد ، لذلك ، أن يكون قد انتقلت أشياء من معارف أهل السواد إلي جيرانهم العرب ، من اتصالهم بهم خلال العصور المتطاولة (٢). ويغلب على الظن أن العرب قد استمدوا نظام منازل القمر من الكلدان أهل بابل (٣).
وتصور أهل بابل في القديم السماء سبع سماوات طباقا ، بعضها فوق بعض. وجعلوا في كل طبقة منها أحد الكواكب السيارة. واعتبروا كل كوكب في سمائه كأنه الرب الساكن فيه. وقد انتشر هذا الرأي من بابل ، وشاع عند الأمم الأخرى
__________________
(١) الآثار الباقية للبيروني ٢٣٨ ـ ٢٣٩. والأزمنة للمرزوقي ٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠
(٢) علم الفلك ، تاريخه عند العرب في القرون الوسطى ١٢١ ـ ١٢٢.
(٣) المصدر السابق في الموضع نفسه.