وأما الأفق المائل عن خط مكّة إلى جهة الشّمال فقبلته إلى مغرب الشمس الأسفل (١) وما يدانيه ، وذلك تلقاء جدار الكعبة الذي فيه بابها. وفي هذا الأفق مدن العراق ، منها بغداد والبصرة والكوفة ، وفيه أيضا بلاد فارس وكرمان وسجستان وخراسان ويستدلّ على القبلة (٢) في هذا الأفق بجعل الجدي حذاء المنكب الأيمن.
وأمّا الأفق المحاذي لمكّة ، شرّفها الله تعالى ، من جهة الشّمال فقبلته إلى القطب الجنوبي وما يقاربه. وفي هذا الأفق بلد قرقيسيا (٣) ونصيبين ورأس العين وما اتّصل بذلك من بلاد الجزيرة.
فهذا بيان سمت القبلة في جميع الآفاق المحيطة بمكّة.
فأمّا قول عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه : «ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجّه نحو البيت» (٤) فليس معناه أن ذلك في جميع آفاق الأرض. وإنما يصحّ استعماله في نواحي المدينة ، وسائر الأفق المغرّب عن مكّة المائل عن خطّها إلى جهة الشّمال ، لأن القبلة في هذا الأفق فيما بين مشرق الإسواء ومغرب الشمس الأسفل.
__________________
(١) في الأصل المخطوط : للأسفل ، وهو غلط.
(٢) في الأصل المخطوط : هذه القبلة.
(٣) في الأصل المخطوط : قرقيسا ، وهو تصحيف.
وقرقيسيا : بلد في الجزيرة ، وهي كوره من كور ديار ربيعة (أنظر معجم ما استعجم ١٠٦٦) ، والبلدان.
(٤) يروى هذا القول لعمر وابن عمر أيضا.
روى الترمذي في سننه (٢ / ١٧٤): «وقال ابن عمر : إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة ، إذا استقبلت القبلة». وروى البيهقي في ٢ / ٩ عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب ، قال : «ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجهت قبل البيت» ، وهذا أقرب إلى رواية المؤلف.
وقال ابن لا أثير في النهاية ٣ / ٢٥٤ في شرحه : «أراد به المسافر إذا التبست عليه قبلته. فأما الحاضر فيجب عليه التحري والاجتهاد. وهذا إنما يصح لمن كانت القبلة في جنوبه أو في شماله. ويجوز أن يكون أراد به قبلة أهل المدينة ونواحيها ، فإن الكعبة جنوبها».