الأنواء عند العرب في الجاهلية
كان العرب قديما في بواديهم الفسيحة في حاجة شديدة إلى معرفة الكواكب الثابتة ، ومواقع طلوعها وغروبها ، لأن طبيعة الحياة في بيئة الصحراء كانت تضطرهم إلى الارتحال دائما من مكان إلى مكان طلبا للماء والمرعى. وكانت شمس الصحراء الساطعة اللاهبة كثيرا ما تضطرهم إلى السرى ، وهو الرحيل في الليل ، لينجوا من لهبها في النهار. فكانوا يقطعون الفيافي الموحشة ، والغلوات البعيدة ، في ظلام الليالي ، مهتدين بالدراري اللامعة في قبة السماء.
ولو لا عيون هذه الدراري التي ترعاهم ، وتهديهم السبيل المقصود ، لضلت قوافلهم ، وهلكت أموالهم من الإبل وغيرها ، بين كثبان الرمال المتشابهة والمتلاحقة كأمواج البحر المترامية على مدى البصر وإلى هذه الحقيقة الكبرى تشير الآية الكريمة :
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)(١).
وكذلك كان العرب في حاجة ماسة إلى معرفة أحوال الهواء ، وأوضاع الشمس والقمر ، وتغير فصول السنة ، وما يحدث في الجو من حوادث في هذه الفصول ، من نشوء السحاب ، وسقوط الأمطار ، وهبوب الرياح ، واشتداد البرد ، وإقبال الحر ، وغيرها من عوارض الطبيعة التي تعرض في أوقات معلومة من السنة. ذلك لأن طبيعة حياتهم في بيئة الصحراء كانت تجعل قوام حياتهم مرتبطا ارتباطا وثيقا بهذه الحوادث أيضا. فهم كانوا يحيون ويسعدون بالغيث والكلأ في خصب الزمان. وكانوا يشقون ويضيق عيشهم بانحباس الغيث وانقطاع الكلأ في جدب الزمان.
__________________
(١) سورة الانعام ٦ / ٩٧.