وفي ثمانية عشر منه تحلّ الشمس بالفرغ (١) الأوّل ، وتسقط الجبهة بالغداة. وعند ذلك ينكسر الشتاء وتجتنى الكمأة ، وتورق الشجر ، وتهبّ الرياح اللّواقح ، ويطلع سعد السعود. قال ساجع العرب :
«إذا طلع سعد السّعود ، نضّر العود ، ولانت الجلود ، وكره في الشّمس القعود» (٢). يريد أن الماء قد جرى في العود فصار ناضرا (٣) غضّا. وتلين الجلود لذهاب يبس الشتاء.
ولسقوط الجبهة نوء مدّته سبع ليال ، وهو أشرف الأنواء. يقولون : ما امتلأ واد من نوء الجبهة (ماء) إلّا (امتلأ) عشبا (٤) ، وما خوت الجبهة ببلد إلّا كان ربيعه ناقصا ومعنى خوت أي أخلف نوءها ، ولم يكن فيه مطر.
ويوم الخامس والعشرين (٥) منه يكون أول الأعجاز (٦).
__________________
(١) في الأصل المخطوط : بالفرع ، وهو تصحيف.
(٢) في الأصل المخطوط : نظر العود ، وهو تصحيف.
وأنظر السجع في الأنواء ٧٩ ، والأزمنة ٢ / ١٨٤ ، والمخصص ٩ / ١٦ ، والمزهر ٢ / ٣٥٠ وعجائب المخلوقات ٥٠.
(٣) في الأصل المخطوط : ناظرا ، وهو تصحيف.
(٤) أنظر هذا القول في الأنواء ٥٩.
(٥) في الأصل المخطوط : الخامس وعشرين ، وهو غلط.
(٦) يريد بالإعجاز أيام العجوز ، وهي سبعة أيام متوالية ، وأولها اليوم السادس والعشرون من شباط على القول المشهور فإذا كانت السنة كبيسة كان أربعة أيام منها من شباط ، وثلاثة أيام من آذار ، وإذا لم تكن كبيسة ، فثلاثة أيام من شباط ، وأربعة من آذار.
ولهذه الأيام عند العرب أسام. فأولها الصن ، وهو شدة البرد. والثاني الصنبر ، وهو الذي يترك الأشياء كالصنبرة ، وهي ما غلط وخثر. والثالث أخوهما الوبر ، لأنه وبر آثار الأشياء أي محاها وأخفاها. والرابع الآمر ، يأمر الناس بالحذر منه. والخامس المؤتمر ، أي أنه يأتمر بأذى الناس ويرى لهم الشر ببرده. والسادس المعلل ، لأنه يعلل الناس بتخفيف البرد. والسابع مطفئ الجمر ، وهو أشدها ، سمي بذلك لأن شدة البرد تطفئ الجمر.
وقد أنشدوا لأبي شبل الأعرابي في أيام العجوز :
كسع الشتاء بسبعة غبر |
|
أيام شهلتنا من الشهر |
فإذا انقضت أيام شهلتنا |
|
بالصّنّ والصّنّبر والوبر |
وبآمر وأخيه مؤتمر |
|
ومعلّل وبمطفئ الجمر |
ذهب الشتاء مولّيا هربا |
|
وأتتك واقدة من النّجر |
ومن العرب من يعد هذه الأيام سبعة ، ومنهم من يعدها خمسة ، وبرد العجوز ربما بقي عشرة أيام أو أكثر. ولهم في سبب تسميتها بأيام العجوز أخبار وروايات. منها أن عجوزا رأت الحر فطرحت المحشأ عنها ، فماتت بعد ذلك في برد هذه الأيام. وزعم بعض العرب أن أيام العجوز سميت بهذا الإسم لأنها عجز الشتاء أي آخره. وهذا يوافق قول المؤلف «أول الأعجاز» في متن الكتاب. وقيل سميت بذلك لأن العرب جزت الأصواف والأوبار مؤذنة بالصيف. وقالت عجوز منهم : لا أجز حتى تنقضي هذه الأيام ، فإني لا آمنها ، فاشتد البرد فيها ، وأضر بمن جز ، وسلمت العجوز بمالها. ويروى أيضا أن العجوز عجلت بجز صوفها لحاجتها إليه وثقتها بالحر ، فجاء البرد ، وموتت غنمها ، وكانت سبعة ، فماتت كل يوم واحدة ، فمن جعلها سبعة أيام فلهذه العلة. وفيها روايات أخرى أيضا.
وأنظر لذلك كله الآثار الباقية ٢٥٤ ـ ٢٥٦ ، والأنواء ١١٩ ، والأزمنة ١ / ٢٧٣ ـ ٢٧٦ ، واللسان (كسع).