العلمية في طرابلس الغرب ، بلد ابن الأجدابي ، كانت ضيقة الحدود ، لا تستدعي منه التطويل والتفصيل في التأليف ، ويبدو أن أفراد هذه البيئة كانوا يكتفون بأصول العلوم وأسسها ، ولا يتطلبون استيعاب الجزئيات والدقائق وراء ذلك.
هذا إلى أن عادة وضع الكتب المختصرة في العلوم كانت أصلا من أصول التأليف عند العرب ، اتبعه العلماء لغاية التعليم والتيسير ، منذ القديم. ولكن اتباع هذا الأصل قد شاع وذاع بعد القرن الرابع للهجرة ، بسبب تأسيس المدارس للتعليم في المدن ، فكانت هذه المختصرات كالكتب المدرسية في أيامنا ، وبسبب انتشار الثقافة بين أوساط الناس ، وازدياد جمهور المثقفين ثقافة وسطا. حتى أن الشيخ من الشيوخ كثيرا ما كان يضع كتابين اثنين في علم من العلوم ، يجعل أحدهما مختصرا ، يقصد به المبتدئين في التعلم ، ويجعل الثاني جامعا مطولا ، يضم اشتات العلم. ويحيط بأطرافه.
وقد اتبع أبو إسحاق ابن الأجدابي نفسه هذه الطريقة في بعض كتبه. فقد رأيناه يضع كتابين اثنين في فن العروض ، أحدهما صغير ، أي مختصر بسيط ، والثاني كبير ، أي مطول مفصل.