فهذا الذي رسمه أهل الحساب في مقادير الشهور العربية (١) ؛ وهو مبنيّ على حساب المفارقة (٢).
ولم تكن العرب تعمل به ، وإنما كان اعتمادهم على الأهلّة. فكانوا يفتحون الشهر إذا رأوا الهلال ، ويجعلون ابتداءه من أوّل الليلة التي ظهر فيها الهلال. وكانوا يسمّون تلك الليلة غرّة الشهر لكون الهلال في أوّلها كالغرّة في وجه الفرس. ثم لا ينقضي الشهر عندهم حتى يروا الهلال كرّة أخرى ، فيبتدئون حينئذ شهرا ثانيا.
قال الشاعر :
إذا ما سلخت الشّهر أهللت مثله |
|
كفى قاتلا سلخي الشّهور وإهلالي (٣) |
يقال : سلخت الشهر إذا خرجت منه. وانسلخ الشهر إذا انقضى. وأهللت الهلال إذا رأيته. فهكذا كانت العرب تعمل في حساب شهورها.
__________________
(١) وهو ليس بواقع دائما ، ولا يوافق الرؤية ، رؤية هلال الشهر ، على الأكثر. وقد رد أبو الريحان البيروني على أهل الحساب في هذا الموضوع ، وبين غلطهم ، وحمل عليهم حملة منكرة لفعلهم هذا ، وقال فيهم : «ثم منذ سنين نبتت نابتة ونجمت ناجمة ونبغت فرقة جاهلية ، فنظروا إلى أخذهم بالتأويل ...»
أنظر الآثار الباقية ٦٤ ـ ٦٨ ، وسيشير المؤلف إلى ذلك بعد قليل.
(٢) أي مفارقة كل شهر ما قبله بزيادة يوم أو نقصانه ، كما ذكر المؤلف. فتكون ستة أشهر من السنة تامة وستة ناقصة ، وكل شهر ناقص منها يتلو تاما. وهو ليس بواقع دائما كما قلنا آنفا. الآثار الباقية ٦٥.
(٣) في الأصل المخطوط : هللت ، وهو غلط ، والتصويب من اللسان. وفيه أيضا : قائلا ، وهو تصحيف. والبيت في اللسان (سلخ).
وقال في اللسان : «التهذيب : يقال سلخنا الشهر ، أي خرجنا منه ، فسلخنا كل ليلة عن أنفسنا جزءا