ثم جاء الإسلام فثبّت ذلك ، وألزم به في الصّوم والفطر والحجّ. ووقع عليه التعويل والاحتساب به في التاريخ ، وفيما يحدث (١) (في) شهور العرب من المواقيت والآجال التي تجري بين الناس. قال الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ، قُلْ : هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ»)(٢) وقال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، وقد ذكر شهر رمضان : لا تصوموا حتّى ترووا الهلال ، ولا تفطروا حتّى تروه. فإن غمّ عليكم فاقدروا له (٣) ، وفي رواية أخرى «فأكملوا العدّة ثلاثين» ، وهي مفسّرة للرواية الأخرى (٤).
فحساب المفارقة ربما وافق الرؤية ، وربما خالفها (٥). وخلافه لها هو الأكثر. فيكون أوّل الشهر في حساب المفارقة متقدّما للرؤية بيوم في الأغلب ، وربما تقدّمها بيومين ، وهو قليل.
__________________
(١) في الأصل المخطوط : مجدد ، وهو تصحيف.
(٢) سورة البقرة ٢ / ١٨٩.
(٣) أنظر الحديث في الأنواء ١٢٩ ، والنهاية ٣ / ١٩٣ ، ٢٦٢ ، واللسان (قدر ، غمم).
غم عليكم : يريد غم عليكم الهلال ، أي إذا حال دون رؤيته غيم أو غيره فلم ير ، من غممت الشيء إذا غطيته. وفاقدروا له : أي قدر روا له المسير والمنازل (الأنواء ١٢٩).
والتقدير له كما ذكر ابن قتيبة «أن يكون إذا غم على الناس ليلة ثلاثين ، في آخر شعبان ، بأن تعرف مستهله في شعبان لليلته. ويعلم أنه يمكث فيها سنة أسباع ساعة من أولها ، ثم يغيب. وذلك في أدنى مفارقته للشمس. ولا يزال في كل ليلة يزيد على مكثه في الليلة التي قبلها ستة أسباع ساعة. فإذا كان في الليلة السابعة غاب في نصف الليل. وإذا كان في ليلة أربع عشرة طلع مع غروب الشمس ، وغرب مع طلوعها. ثم يتأخر طلوعه عن أول ليلة خمس عشرة ستة أسباع ساعة. ولا يزال في كل ليلة يتأخر طلوعه عن الوقت الذي طلع فيه في الليلة التي قبلها ستة أسباع ساعة إلى أن يكون طلوعه ليلة ثمان وعشرين مع الغداة. فإن لم ير صبح ثمان وعشرين علم أن الشهر ناقص ، وعدته تسعة وعشرون يوما. وإن رئي علم أن الشهر تام ، وعدته ثلاثون».
الأنواء ١٢٩ ـ ١٣٠ والأزمنة ٢ / ٣٦٦ ـ ٣٦٧.
(٤) ذكر ابن قتيبة أن هذا حديث آخر من رواية ابن عباس ناسخ للحديث الأول الذي هو من رواية ابن عمر. الأنواء ١٢٩ والأزمنة ٢ / ٣٦٧. وانظر فصل (ذكر القمر) من باب النجوم السيارة الآتي من هذا الكتاب.
(٥) شرح أبو الريحان البيروني ذلك في تفصيل وفضل بيان في الآثار الباقية ٦٥ ـ ٦٦ ، قال : «فأما أصحاب الهيئة ومن تأمل الحال بعناية شديدة فإنهم يعلمون أن رؤية الهلال غير مطرد على سنن واحد ، لاختلاف حركة القمر المرئية بطيئة مرة وسريعة أخرى ، وقربه من الأرض وبعده ، وصعوده في الشمال والجنوب ، وهبوطه فيهما ، وحدوث كل واحد من هذه الأحوال له في كل نقطة من فلك البروج. ثم بعد ذلك لما يعرض من سرعة غروب بعض القطع من فلك البروج ، وبطء بعض ، وتغير ذلك على اختلاف عروض البلدان ، واختلاف الأهوية .. وتفاوت قوى بصر الناظرين إليه في الحدة والكلال ... وإن ذلك كله يتفنن بتزايد عروض البلدان وتناقصها ، فيكون الشهر تاما في البلدان الشمالية مثلا ، وناقصا هو بعينه في الجنوب منها ، وبالعكس. ثم لا يجري ذلك فيها على نظم واحد ، بل يتفق فيها أيضا حالة واحدة بعينها لشهر واحد مرارا متوالية وغير متوالية ..»