إلّا أنهم لم يجعلوا ابتداء سنتهم موافقا لابتداء سنة الشمس بل افتتح كلّ فريق منهم السّنة في وقت من سنة الشمس غير موافق لأوّلها. فكان افتتاح السّريانيين سنتهم في الربع الثالث من سنة الشمس ، وهو فصل الخريف (١) ، والشمس حينئذ ببرج الميزان. وكانت الروم في أوّل أمرها موافقة لهم على ذلك ، ثم افتتحت الروم السّنة بعد ذلك في الربع الآخر من سنة الشمس ، وهو فصل الشتاء (٢) ، والشمس حينئذ ببرج الجدي. وافتتحت القبط سنتها (٣) في الربع الثاني من سنة الشمس ، وهو فصل الصيف (٤) والشمس حينئذ ببرج السّنبلة.
وإنما خصصنا هؤلاء بالذكر ، دون غيرهم من العجم (٥) ، لأن حسابهم هو المحفوظ في بلاد المسلمين ، والمستعمل فيها. وأشهر ذلك وأغلبه على استعمال الناس حساب الروم والسّريانيين (٦). وعليه اعتمدنا في كتابنا هذا في تحديد (٧)
__________________
(١) قال المسعودي في التنبيه والإشراف ١٥ في تعليل ذلك :
«ومنهم من اختار تقديم الاعتدال الخريفي لأن جميع الثمار فيه تستكمل ، والبذور فيه تبذر. وإنما سمي الخريف لأن الثمار تخترف فيه ، أي تجتني. والعرب تسميه الوسمي بالمطر الذي يكون فيه وذلك أن أول المطر يقع على الأرض وهي بعيدة العهد بالرطوبة ، وقد يبست بالصيف ، فتسميه بهذا الإسم لأنه يسم الأرض. وهو يبتدئون من الأزمان بهذا الفصل لأن المطر الذي به عيشهم فيه يبتدئ».
(٢) افتتح الروم سنتهم بهذا الفصل بسبب ميلاد المسيح ، عليهالسلام. ذكر المؤلف ذلك في آخر الباب التالي ، وهو (باب في تاريخ الروم والسريانيين ...) وقال" «وكان أول شهر دخل بعد مولد المسيح يناريه ، فجعل أول السنة في التاريخ المنسوب إليه».
(٣) في الأصل المخطوط : سنينها ، وهو تصحيف.
(٤) قال المسعودي في الإشراف والتنبيه ١٥ في تعليل ذلك : «ومنهم من اختار تقديم الانقلاب الصيفي ، لأنه الوقت الذي فيه كمال طول النهار ، وأن مد النيل بمصر فيه يكون».
(٥) يريد المؤلف بالعجم غير العرب من الأمم.
(٦) اشتهر حساب الروم وشاعت أسماء شهورهم في المغرب العربي. واشتهر حساب السريان وشاعت شهورهم في المشرق العربي. وسيذكر المؤلف ذلك بعد قليل. والسريان هم نصارى الشام والعراق (الآثار الباقية ٥٩).
وقال أبو الريحان البيروني : «وقد اشتهرت هذه الشهور (أي السريانية) حتى استظهر بها المسلمون ، وقيدوا بها ما احتاجوا إليه من أوقات الأعمال». الآثار الباقية ٦٠.
(٧) في الأصل المخطوط : تجديد ، وهو تصحيف.