وقد ساق أبو عثمان الجاحظ في كتاب الحيوان أخبارا تدل على سعة معرفة العرب بالنجوم ، وجودة نظام المعرفة ، وتبين ، في إيجاز حاسم ، علة هذه المعرفة وجودتها.
قال : «وسئلت أعرابية ، فقيل لها : أتعرفين النجوم؟ فقالت : سبحان الله! أما أعرف أشباحا وقوفا علي كل ليلة؟ وقال اليقطري : وصف أعرابي لبعض أهل الحاضرة نجوم الأنواء ، ونجوم الاهتداء ، ونجوم ساعات الليل والسعود والنحوس. فقال قائل لشيخ عبادي كان حاضرا : أما ترى هذا الأعرابي يعرف من النجوم ما لا نعرف! قال : ويل أمك ، من لا يعرف أجذاع بيته؟ قال : وقلت لشيخ من الأعراب قد خرف ، وكان دهاتهم : إني لأراك عارفا بالنجوم! وقال : أما إنها لو كانت أكثر لكنت بشأنها أبصر ، ولو كانت أقل لكنت لها أذكر. وأكثر سبب ذلك كله ، بعد فرط الحاجة ، وطول المدارسة ، دقة الأذهان ، وجودة الحفظ» (١).
وجمع أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي الفلكي العربي المشهور (ـ ٣٧٦) ، في كتابه المعروف بالكواكب والصور ، أسماء الكواكب المستعملة عند عرب البادية ، فبلغ عددها نحو مائتين وخمسين اسما (٢). ولسنا في حاجة إلى دليل على سعة معرفة العرب بالنجوم أكبر من هذا الدليل.
ويمكن لنا استخلاص أكثر معارف العرب بالأنواء والأزمنة من شعرهم القديم في الجاهلية وصدر الإسلام : فقد أكثر شعراء العرب من ذكر هذه الأمور في أشعارهم. ودواوينهم والشواهد المأخوذة من شعرهم في كتب اللغة وغيرها تفيض
__________________
(١) كتاب الحيوان ٦ / ٣١
(٢) علم الفلك ، تاريخه عند العرب في المقرون الوسطى ١٠٧.