شاذان ، وسألوه أن يقول : «إنى أحبكم» ليتسلسل لهم الحديث. فتوقف ، فقالوا له : وأنت ما تحبنا؟ فقال : لا ، لأنى ما أعرفكم ، ولا أبغضكم. انتهى.
وقد وقعت لى النسخة التى سمعت عليه ، والسماع بقراءة الحافظ شمس الدين محمد ابن موسى بن سند اللّخمىّ ، وبخطه ذكر أنه يتسلسل لهم حديث معاذ : إنى أحبك. فقال ولعدم تسلسله قصة. انتهى.
وهذه القصة التى أخبر بها شيخنا العراقى ، عن الشيخ فخر الدين ، وهى دالة على كثرة تحرزه فى القول ، وجوابه فيها صحيح ؛ لأن عدم المحبة ، لا يستلزم البغضة. وكان فى حديثه مع الناس لا يظهر لهم غير ما فى نفسه ؛ لأنه بلغنى أنه اجتمع مع الشيخ أبى العباس بن عبد المعطى النحوى السابق ذكره بمصر ، فى بعض قدمات أبى العباس إليها ، فقال للشيخ أبى العباس : تأتونا إلى البيت. وقصد أن يضيفه.
فجاء إليه الشيخ أبو العباس ، فلم ير من الشيخ فخر الدين انبساطا لمجيئه ، فقال له الشيخ أبو العباس : ألم تأمرونى بالحضور؟ فقال : نعم ، ولكنى لم أعيّن الوقت ، والتجمل ما حرم.
وبلغنى أنه لما تزوج فى مكة ، بحمامة بنت زيان ، سئل عن صفتها. فقال : احلقوا ذقن أبيها ، وانظروا إليه فهى مثله ، ونال منه. وكان ـ فيما بلغنى ـ يعيب قول الناس بعضهم لبعض فى الصباح والمساء : صباح الخير ، ومساء الخير ، ويقول : إيش الخير؟ لصباح الخير ومساء الخير؟.
وكان الشيخ فخر الدين ولى القضاء بالشارع ظاهر القاهرة ، وعيّن لقضاء دمشق ، ثم صرف إلى غزة ، وولى بمكة تدريس الحديث لوزير بغداد ، ودرّس فى سنة سبع وأربعين وسبعمائة ، وأخذ فى حديث : «أمّنى جبريل عند البيت فى أوقات الصلوات».
وحضر عنده قاضى القضاة عز الدين بن جماعة ، وموفق الدين الحنبلى ، وجماعة من فضلاء الشاميين ، وتردد إلى مكة مرات ، وجاور بها كرات ، وتأهل بحمامة بنت ابن زيال(٣). وولد له منها بيت سميت فاطمة ، تأهل بها الفقيه عبد الله بن ظهيرة. وولدت له.
ولم يمت إلا ببلده النّويرة ، فى سابع عشر ذى الحجة سنة خمس وخمسين وسبعمائة ،
__________________
(٣) سبق الترجمة أن اسمها «حمامة بنت زيان».