إذا شيخ أسود على حمار ، عليه قميص دنس ، وجبّة دنسة ، وقلنسوة لا طئة دنسة ، وركاباه من خشب ، فضحكت وقلت لأبى : من هذا الأعرابى؟ قال : اسكت ، هذا سيد فقهاء أهل الحجاز ، هذا عطاء بن أبى رباح.
فلما قرب ، نزل أبى عن بغلته ، ونزل هو عن حماره ، فاعتنقا وتسالما ، ثم عادا فركبا فانطلقا ، حتى وقفا بباب هشام ، فلما رجع أبى سألته فقلت : ما كان منكما؟. قال : لما قيل لهشام : عطاء بن أبى رباح ، أذن له ، فو الله ما دخلت إلا بسببه ، فلما رآه هشام قال : مرحبا مرحبا ، هاهنا هاهنا ، فرفع حتى مسّت ركبته ركبته ، وعنده أشراف الناس يتحدثون ، فسكتوا ، فقال هشام : ما حاجتك يا أبا محمد؟ قال : يا أمير المؤمنين ، أهل الحرمين أهل الله ، وجيران رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، تقسم فيهم عطياتهم وأرزاقهم ، قال : نعم. يا غلام ، اكتب لأهل المدينة وأهل مكة بعطاءين وأرزاقهم لسنة ، ثم قال : أمن حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أهل الحجاز وأهل نجد ، أصل العرب وقادة الإسلام ، رد فيهم فضول صدقاتهم ، قال : نعم. اكتب يا غلام ، بأن تردّ فيهم صدقاتهم. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟. قال : نعم يا أمير المؤمنين أهل الثغور يرمون من وراء بيضتكم ، ويقاتلون عدوكم ، قد أجريتم لهم أرزاقا تدرّها عليهم ، فإنهم إن هلكوا غزيتم ، قال : نعم. اكتب يا غلام ، تحمل أرزاقهم إليهم. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، أهل ذمتكم لا تجبى صغارهم ، ولا تتعتع كبارهم ، ولا يكلّفون ما لا يطيقون ، فإن ما تجبونه معونة لكم على عدوكم. قال : نعم. اكتب يا غلام ، بأن لا يحمّلوا ما لا يطيقون. هل من حاجة غيرها؟. قال : نعم. يا أمير المؤمنين ، اتق الله فى نفسك ، فإنك خلقت وحدك ، وتحشر وحدك ، وتحاسب وحدك ، ولا والله ما معك ممن ترى أحد. قال : فأكب هشام ، وقال عطاء ، فلما كنا عند الباب ، إذا رجل قد تبعه بكيس ، ما أدرى ما فيه ، أدراهم أم دنانير ، قال : إن أمير المؤمنين أمر لك بهذه. قال : قل لا أسألكم عليه أجرا إن أجرى إلّا على الله ربّ العالمين. ثم خرج عطاء ، ولا والله ما شرب عنده حسوة من ماء فما فوقها.
ومات عطاء بمكة سنة خمس عشرة ومائة. وقيل سنة أربع عشرة ، وهو ابن ثمان وثمانين سنة ، رحمة الله عليه ورضوانه.
٢٠٠٤ ـ عطّاف بن حسان بن أبى نمىّ الحسنى المكى :
[..............](١).
__________________
٢٠٠٢ ـ (١) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.