على أن الذى فعل عمرو حيلة وخديعة لا يعبأ بها ، وكانت مصر مرّة يستولى عليها أصحاب على ، ومرة يستولى عليها أصحاب معاوية ، وقد ندم على التخلف عن على رضى الله عنه فى حروبه ، غير واحد من كبار السّلّف ، كما روى من وجوه ، عن حبيب بن أبى ثابت ، عن ابن عمر ، أنه قال : ما آسى على شىء إلا أنى لم أقاتل مع أهلى مع علىّ أهل الفئة الباغية.
قال الشّعبى : ما مات مسروق ، حتى تاب إلى الله تعالى عن تخلّفه عن القتال مع على. قال ابن عبد البر : ولهذه الأخبار طرق صحاح ، ذكرناها فى موضعها ، قال : وكان علىّ رضى الله عنه يسير فى الفيىء سيرة أبى بكر الصديق رضى الله عنه فى القسم ، وإذا ورد عليه مال ، لم يبق منه شيئا ، إلا قسمه ، ولا يترك فى بيت المال منه إلا ما يعجز عن قسمته فى يومه. ويقول : يا دنيا غرّى غيرى. ولم يكن يستأثر من الفىء بشىء ، ولا يخصّ به حميما ولا قريبا ، ولا يخص بالولايات إلّا أهل الديانات.
وروى بسنده عن مجمّع التميمى ، أن عليا رضى الله عنه ، قسم ما فى بيت المال بين المسلمين ، ثم أمر به فكنس ، وصلّى فيه ، ورجاء أن يشهد له يوم القيامة.
روى بسنده عن عاصم بن كليب عن أبيه ، قال : قدم على علىّ رضى الله عنه ، مال من أصبهان ، فقسمه سبعة أقسام ، ووجد فيه رغيفا ، فقسمه سبع كسر ، وجعل على كل جزء كسرة ، ثم أقرع بينهم ، أيّهم يعطى أولا. وثبت عن ابنه الحسن بن على بن أبى طالب من وجوه ، أنه قال : لم يترك إلا ثمانمائة درهم ، أو سبعمائة درهم ، فضلت من عطائه ، كان يعدّها لخادم كان يشتريها لأهله. وروى عن عبد الله بن الهذيل قال : رأيت عليا رضى الله عنه ، يخرج وعليه قميص غليظ ، إذا مدّ كُمّ قميصه بلغ الظفر ، وإذا أرسله صار إلى نصف السّاعد.
وروى عن الحسن بن [......](٧) عن أبيه قال : رأيت علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه ، يخرج من مسجد الكوفة ، وعليه قطريتّان ، متّزرا بالواحدة ، متردّيا بالأخرى ، وإزاره إلى نصف السّاق ، وهو يطوف بالأسواق ، وبيده الدّرّة ، يأمرهم بتقوى الله تعالى ، وصدق الحديث ، وحسن البيع ، والوفاء بالكيل والميزان. انتهى.
ولعلىّ رضى الله عنه فى الزهد ، والتقشّف فى المعيشة ، والمواعظ البليغة لعمّاله ، والأجوبة النفيسة عن مشكلات المسائل ، أخبار كثيرة مشهورة. ومن كلامه رضى الله
__________________
(٧) ما بين المعقوفتين بياض فى الأصل.