عنه فى الزهد : الدنيا جيفة ، فمن أراد منها شيئا ، فليصبر على مخالطة الكلاب. انتهى.
وتوفى رضى الله عنه ، وهو أفضل الأمة شهيدا مقتولا ، قتله رجل من حمير ، عداده فى مراد ، وهو عبد الرحمن بن ملجم ، أشقى الناس على ما أخبر به النبى صلىاللهعليهوسلم ، كما فى سنن النسائى وغيره ، وهو من الخوارج الذين قتلهم يوم النّهروان ، وكان واثنان مثله من الخوارج ، تعاقدوا على قتل علىّ ، ومعاوية بن أبى سفيان ، وعمرو بن العاص ، وأن لا يرجع أحد منهم عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه. واتّعدوا لذلك ليلة معيّنة ، وذهب كل منهم إلى المصر الذى فيه مراده ، فرأى ابن ملجم بالكوفة امرأة من بنى عجل ، يقال لها قطام ، رائعة الجمال ، فأعجبته ووقعت فى نفسه ، فخطبها فقالت له : آليت ألا أتزوج إلا على مهر لا أريد سواه ، فقال لها : ما هو؟ ، فقالت له : ثلاثة آلاف ، وقتل علىّ ، فأجابها إلى ذلك ، وأخبرها بقصده له ، فوعدته بمن يشدّ ظهره ، وهو ابن عمها ، وكلّمته فى ذلك فأجابها ، وتكلّم هو مع شبيب بن بجرة الأشجعىّ فى ذلك ، فوافقوه ، واتفقوا على أن يكمنوا لعلىّ فى المسجد ، فإذا خرج إلى الصلاة قتلوه.
فلما خرج ضربه شبيب فأخطأه ، وضربه ابن ملجم على رأسه بسيف اشتراه بألف ، وسقاه السّم ، حتى زعموا أنه لفظه ، وقيل إنه ضرب عليّا بخنجر كان معه ، وقال لعلى : الحكم لله يا علىّ لا لك ولا لأصحابك ، فقال علىّ رضى الله عنه : فزت وربّ الكعبة ، لا يفوتكم الكلب ، فشدّ الناس عليه من كل جانب وأخذوه ، فأمر به فحبس وقال : إن متّ فاقتلوه ولا تمثّلوا به ، وإن لم أمت ، فالأمر إلىّ فى العفو والقصاص.
وروى أن عليّا رضى الله عنه ، كان إذا رأى ابن ملجم قال : [من الوافر] :
أريد حياته ويريد قتلى |
|
عذيرى من خليلك من مراد |
أما إن هذا قاتلى ، قيل له : فما يمنعك من قتله؟ فقال : إنه لم يقتلنى بعد.
ونقل عن علىّ رضى الله عنه أخبار كثيرة ، تدل على أنه كان عنده علم السّنة والشّهر والليلة التى يقتل فيها ، وأنه لما خرج لصلاة الصبح ، صاحت الأوزّ فى وجهه ، فطردن عنه ، فقال: دعوهنّ فإنهنّ نوائح. انتهى.
واختلف فى قتل ابن ملجم لعلىّ رضى الله عنه ، فقيل وهو فى الصلاة ، وقيل قبل دخوله فيها.
واختلف على القول بأنه فتك فيه وهو يصلّى ، هل استخلف علىّ من أتمّ الصلاة بالناس ، أو أتمها بنفسه؟. والأكثر على أنه استخلف جعدة بن هبيرة ، فصلّى بالناس تلك الصّلاة ، والله أعلم.