عن نصره ، حين سألهم ذلك ، وبعد مفارقته لمكة على الوجه المذكور ، اجتمع به على بن عجلان، ومحمد بن محمود ، وكان علىّ لا يفصل أمرا دون ابن محمود ، واعتذر إليه بعدم العلم بتجرّى غلمانهم عليه ، وكان فى مدة ولايته مغلوبا مع أصحابه ، وكذا علىّ مع أصحابه ، وحصل بسبب ذلك ضرر على السفار إلى مكة ، لزيادة العرافة وقلة الأمن ، وخطف الأموال ، وأنهى هذا الحال إلى السلطان ، فاستدعى عنانا وعليا مع جماعة من أعيان الأشراف والقواد ، فأعرضوا عن الوصول لباب السلطان ، غير على وعنان ، فإنهما لم يجدا بدا من ذلك ، وبعد وصول هذا الاستدعاء ، تحرك لنصر عنان بعض الأشراف ، الذين مع على بن عجلان ، وألزموه بإخلاء مكة من العبيد وأتباعهم ، حتى يدخل إليها عنان ، ليتجهز منها لسفره ، فإذا تم جهازه ، خرج وعادوا إليها ، فما وسع علىّ إلا الموافقة ، فخرج المشار إليهم إلى منى ، ودخل عنان مكة ، وأقام بها حتى انقضى جهازه ، ثم توجه إلى مصر فى جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين ، وتلاه علىّ إليها ، وحضر إلى السلطان غير مرة ، ففوض إمرة مكة لعلى بمفرده ، وأمر عنانا بالإقامة بمصر ، ورتب له شيئا يصرفه ، ولم يسجنه ، ثم إن بعض بنى حسين أهل المدينة ، وشى به إلى السلطان ، وقال له : إنه يريد الهرب إلى مكة يفسد بها ، وأنه أعد نجبا لذلك ، فسجنه السلطان ببرج فى القلعة ، فى أثناء سنة خمس وتسعين وسبعمائة ، واستمر به إلى أن أنفذه السلطان إلى الإسكندرية ، فى آخر سنة تسع وتسعين وسبعمائة ، مع جمّاز بن هبة الحسينى صاحب المدينة ، وكان قبض عليه فى هذه السنة ، بإثر وصوله إلى مصر ، وبعث السلطان معهما إلى الإسكندرية ، على بن المبارك بن رميثة وولديه ، وسجن الجميع بالإسكندرية ، إلى أن مات الملك الظاهر.
فلما ولى ابنه الملك الناصر فرج ، شفع لهم بعض الناس فى إطلاقهم بالإسكندرية ، ومنعهم من الخروج من أبوابها ، فتم لهم ذلك ، ثم تكرر سجنهم وإطلاقهم بالإسكندرية على الصفة المذكورة ، ثم نقل عنان إلى مصر فى آخر سنة أربع وثمانمائة ، أو فى أول التى بعدها ، بسعى القاضى برهان الدين إبراهيم بن عمر ، تاجر الخواص الشريفة السلطانية ، لتغيره على صاحب مكة ، الشريف حسن بن عجلان ، لما أخذه من الذهب الكثير ، من ولده القاضى شهاب الدين أحمد ، لما انكسر المركب الذى كان فيه ، وهو إذ ذاك متوجها إلى اليمن ، وقصد المحلى بإطلاق عنان ، إخافة السيد حسن ، كى يردّ عليه المال ، أو ما أمكن منه ، ونوّه لعنان بولاية مكة ، فما قدّر ذلك ، لمعاجلة المنية عنانا.
وسبب موته ، أنه حصل له مرض خطر ، يقتضى إبطال بعض جسده ، فعولج من ذلك بإضجاعه بمحلّ فيه أثر النار ، حتى يخلص ذلك إلى أعضائه فيقويها.