فأتانى فخرجت مسرعا. فقلت : يا أمير المؤمنين! لو أرسلت إلىّ أتيتك ، فقال : ويحك ، قد حاك فى نفسى شىء ، فانظر لى رجلا أسأله ، فقلت : هاهنا سفيان بن عيينة. قال : امض بنا إليه فأتيناه ، فقرعت الباب ، فقال : من ذا؟ فقلت : أجب أمير المؤمنين ، فخرج مسرعا ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لو أرسلت إلىّ أتيتك ، فقال له ، خذ لما جئناك له رحمك الله ، فحدثه ساعة ، ثم قال له : عليك دين؟ فقال : نعم. فقال : يا عباس ، اقض دينه.
فلما خرجنا قال : ما أغنى عنى صاحبك شيئا ، انظر لى رجلا أسأله ، قلت : هاهنا عبد الرزاق بن همام ، قال : امض بنا إليه ، فأتيناه فقرعنا الباب ، فخرج مسرعا ، فقال : من هذا؟ فقلت : أجب أمير المؤمنين ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لو أرسلت إلىّ أتيتك ، فقال : خذ لما جئناك له ، فحادثه ساعة ، ثم قال له : عليك دين؟ قال : نعم. قال : يا عباس ، افضل دينه ، فلما خرجنا قال : ما أغنى عنى صاحبك شيئا ، انظر لى رجلا أسأله ، قلت : هاهنا الفضيل بن عياض ، قال : امض بنا إليه ، فأتيناه ، فإذا هو قائم يصلى ، يتلو آية من القرآن يردّدها ، فقال : اقرع الباب. فقرعت الباب ، فقال : من هذا؟ قلت : أجب أمير المؤمنين ، فقال : ما لى ولأمير المؤمنين! فقلت : سبحان الله ، أما عليك طاعة؟ أليس قد روى عن النبى صلىاللهعليهوسلم : «ليس للمؤمن أن يذلّ نفسه». فنزل ففتح الباب ، ثم ارتقى إلى الغرفة فأطفأ السراج ، ثم ارتقى إلى زاوية من زوايا البيت ، فدخلنا فجعلنا نجول عليه بأيدينا ، فسبقت يد هارون قبلى إليه ، فقال : يا لها من كف ، ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله عزوجل ، فقلت فى نفسى : ليكلّمنّه الليلة بكلام نقى من قلب تقى ، فقال له : خذ فيما جئناك له ، فقال : إن عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة ، دعا سالم بن عبد الله ، ومحمد بن كعب القرظىّ ، ورجاء بن حيوة ، فقال لهم : إنى قد ابتليت بهذا البلاء ، فأشيروا علىّ ، فعدّ الخلافة بلاء ، وعددتها أنت وأصحابك نعمة ، فقال له سالم بن عبد الله : إن أردت النجاة من عذاب الله فصم الدنيا ، وليكن إفطارك منها الموت.
وقال له محمد بن كعب : إن أردت النجاة من عذاب الله ، فليكن كبير المسلمين عندك أبا ، وأوسطهم عندك أخا ، وأصغرهم عندك ابنا فوقرّ أباك ، وأكرم أخاك ، وتحنّن على ولدك.
وقال له رجاء بن حيوة : إن أردت النجاة غدا من عذاب الله ، فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك ، واكره لهم ما تكره لنفسك ، ثم مت إذا شئت ، وإنى أقول لك هذا ، وإنى أخاف عليك أشد الخوف يوما تزل فيه الأقدام ، فهل معك رحمك الله مثل هؤلاء ، أو من يشير عليك بمثل هذا! فبكى هارون بكاء شديدا ، حتى غشى عليه ، فقلت له : ارفق بأمير المؤمنين ، فقال : يا ابن أم الربيع ، تقتله أنت وأصحابك ، وأرفق به