الالدكزي في سنة ثمانين ، ثمّ كبرت صفد حينئذ ، واتّسعت قليلا في أيامه وبنى الحمّام المعروفة به ، وسكن بالمدينة ، وبقي الحكم بدار العدل في باب القلعة ، واستمر الحال وأهل عكّا وصفد بينهما هدنة ، إلى أن فتحت طرابلس بالسّيف عنوة سنة ثمان وثمانين وستمائة ثمّ حصل من الافرنج خيانة ونقض عهد ، فعزم الملك المنصور على غزوهم ، فمات قدّس الله روحه بمصر سنة تسع وثمانين وستمائة ، وعهد إلى ولده السلطان الملك الأشرف خليل ، وأوصاه بفتح عكا وغزوها قبل كل شيء ، فلما تملك لم يكن له دأب ألّا التّوجّه إلى عكّا بجيوش عظيمة ، واحتفل لذلك احتفالا بالغا ، ولم يتخلّف عن غزو عكّا أحد ممّن أمكنه التوجّه ، وحصل الاجتهاد التّام والمصابرة على القتال حتّى يسّر الله عزوجل فتحها بالسّيف ، يوم الجمعة رابع عشر جمادى الأوّل سنة تسعين وستمائة ، ثمّ هدمها بوصيّة والده ، وظهور المصلحة في ذلك ، واجتماع الآراء على ترجيحه.
فلمّا فتحت عكّا ، ورأى الفرنج الغلبة ، وقع في قلوبهم الرّعب ، وخافوا على أنفسهم من الهلاك ، فسلّم أهل الحصون والثّغور التي بالسّواحل جميعها : أهل صور ، وحيفا ، وعثليت ، وقيساريّة ، وغير ذلك ، وطلبوا الأمان ، ودخلوا البحر ، وخلا ساحل الشام المبارك من الافرنج ، وطهّر الأرض المقدّسة منهم ، وقطع دابرهم ، وقلع آثارهم (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢٠).
فلمّا صارت السواحل للمسلمين ، ومحيت آثار الكافرين ، اطمأنت الخواطر ، وطابت القلوب وابتهجت النفوس وطابت أنفس الناس على الإقامة بصفد ، وقصدوها من البلاد لطيبها وصحّتها ، وما بها من الخير في ذلك الوقت ، لقرب العهد بالفتح المبارك ، وعمل بها موضع مبارك للنيابة بها ، واستقرّ في المدينة نائب بمفرده ، وبالقلعة نائب بمفرده ، فأوّل النوّاب بالمدينة الأمير علاء الدين الالدكزي سنة تسعين وستمائة ، واستمرّ إلى سنة إحدى وتسعين وستمائة ثمّ مات.