بحثه وتدقيقه وتحقيقه المنتهى ، لزمته أنا وأخي علاء الدين ، فانتفعنا به ، وأذن لنا ، وكان وروده في المحرّم سنة تسع وأربعين وسبعمائة ، وفي ربيع الآخر من هذه السنة وقع الطّاعون العظيم فاستشهد به ومات فيه بعد ما صلّى الصّبح قائما ، ثمّ جلس يذكر الله ، ثمّ استند إلى صدري فمات لوقته ، وماتت زوجته قبله ، فلمّا دفنها قام يصلي فطوى فراشها وصلّى على الأرض ، فقيل له في ذلك ، فقال : بقي لي فيه شريك ، ولمّا مات حضر ملك الأمراء بصفد ، وأهلها وتكلّموا في دفنه ، ودفنته بتربة جدّي الشيخ كمال الدين طلبا لبركته ، وسهول زيارته.
ثمّ تولّى بعده القاضي شمس الدين قاضي الناصرة في جمادى الأول سنة تسع وأربعين وسبعمائة ، وكان من أهل الخير والدين والعفّة عن أموال المسلمين ، كثير الصّدقة ، ظاهر الحشمة ، مأمون القايلة ، وهو باق إلى آخر المدّة المذكورة.
وأمّا الخطباء بصفد :
فعقيب الفتح كان جدّنا الشيخ كمال الدين العثماني حضر صحبة العلائي ، ثمّ توجّه إلى مصر فأقام مدّة يسيرة وخطب في تلك المدة جمال الدين عبد المنعم ، وكان رجلا صالحا متقشّفا ، ثمّ عاد الشيخ كمال الدين العثماني إلى وظيفته ، جهّزه الملك الظّاهر لذلك حين طلبه نائب صفد العلائي ، وأثنى عليه بين يديه ، وأخبر أنّه من الأولياء الأكابر ، فأحضره وعظّمه ووقره ، وأكرمه ، وطلب دعاءه رجاء بركته ، وأعاده إلى وظيفته ، وفوّض إليه أمر القلعة ورجالها ، وقرّر ولده شرف الدين حسين بن الكمال ناظرا على أموالها ، فلمّا أعاد الشيخ كمال الدين دخل إلى الجامع ، فوجد الشيخ جلال الدين فخجل ، واستحيى فتغيّب بخجله فقام إليه وعانقه وقال : الخجل بي أليق ، لأنّي تهجّمت على وظيفتك ، وإنّما كنت أنوب عنك فرحمهماالله ، فاستمرّ الشيخ كمال الدين خطيبا دهرا طويلا إلى أن مات في سنة احدى وسبعمائة ، فاستقرّ ولده الشيخ نجم الدين