ابتغاء وجه الله ، وخوفا من عقوبته ، لا جرم كان له بصفد في الشّهر أربعمائة ، فعوّضه الله كل شهر بنحو ألف وخمسمائة.
ثمّ حضر بعده للقضاء بصفد قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن عبد اللطيف القرشي من بيت علم ورئاسة لكنّه من القضاة المتساهلين ، وقع في أيامه أمور تخشى عاقبتها يوم الدين ، وفي آخر أيامه ، كنت عنده يوما فجاء فقير يسأله ، فردّه ونهره ، فأعاد سؤاله فزبره : فقال أنا فقير ، وقد أمسيت مضرورا ، فغضب فأمر به فضرب ، فشفعت فيه ، وتعلّقت به ، وهو من الغضب لا يعقل ، فتركته ومضيت وقد تأذيت ممّا سمعت ورأيت ، فرأيت في تلك الليلة بالمنام رسول الله صلىاللهعليهوسلم واقفا تجاه دار القاضي ، وهو غضبان غير راضي ، وكان من باب القاضي إلى طرف الشارع حبلا مشدودا فقال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : اقطع حبله فعالجته فوجدته قويا شديدا ، فلما فهم الرسول أن فعلي لا يجري ، جاء إليّ ووضع يده الشّريفة فوق يدي ، فجذبت الحبل فتقطّع ، وأشار الرسول بيده ، وجعل يقول ، وأنا أسمع : قال فقير ، قال فقير ، يحكي قول القاضي وإلى بابه يشير قطعه الله ، قطعه الله ، قطعه الله ، فتيقظت مرعوبا ، وكان عزله بعد ذلك قريبا.
ثمّ حضر إلى قضاء صفد الشّيخ صدر الدين بن الخابوري ، فأفادنا عجائب ، وعلقنا عنه غرائب ، وكان حسن الخلق ، كريم النّفس ، غزير العلم عمدة الفتوى ، قدم رجل من الصفديين فتوى بدمشق إلى شيخ الإسلام فخر الدين المصري ، فقال : من أين أنت؟ فقال : من صفد ، فقال : عندكم الشيخ صدر الديين الخابوري وتسألني! فأقام مدّة ، ثمّ نقل إلى طرابلس.
وحضر إلى قضاء صفد شيخ الإسلام زين الدين عمر بن البليغاني ، فقيه المصريين ، وأجل من تولى صفد ، بل أفضل من دخلها في العلم إلى