الملك المنصور أبو بكر في نهار الجمعة سلخ جمادى الأول ، سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ، وكان أمره من العجائب العظيمة من جراءته فيما ادّعاه كيف ألقى نفسه إلى التّهلكة ، ثمّ توجّه البرناق بعسكر صفد إلى الشام على أن يلحق أرغون الكامل في طاعة المصريين ، فانقلب إلى جهة أمير أحمد وبيبغا أروس مغلوبا على رأيه في نهار الخميس ثامن شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة.
وفي شعبان وصل متسلّم المقر الشّهابي ابن صبح فخر الدين استداره ، وصارت الأخبار تصل إلى قلعة صفد من مصر إلى السلطان بعد خروجه منها صحبة سعاة وكان بلبان الحسامي في نيابة القلعة بصفد ، فاجتهد وحصّن القلعة بالمناجيق والرّجال ، وجاءه رسول من بيبغا ، وكتب باستمالته ، فلم يوافق ، وصمّم على طاعة المصريين ، وسلم وقسم ، وفي عشرين شعبان انهزم بيبغا اروس ، وأمير أحمد ، وحضر ساعي إلى قلعة صفد بذلك ، وكتب بذلك وجهّز صحبة ساعي ، ثمّ بريدي إلى المخيم الشريف إلى منزلة قاقون ، وكانت حركة عظيمة شكر فيها بلبان الحسامي نائب قلعة صفد ، ونائب قلعة دمشق لم يوافق ، واجتهد في المناصحة فنالهما الإكرام (٢٥).
وهنا نكتة لطيفة ، وهي أنّ سلامة الصّدور تنفع في كثير من الأمور ، انظر كيف سلم بلبان الحسامي ، بسلامة صدره مع مخاطرته بمخالفة نائب الشام بيبغا أروس ، بعد أن قطع العقلاء وأرباب التجربة بأنّ الغلبة لبيبغا أروس ، وعطب قرمشي مع حذقه وتجربته في المناصحة والاجتهاد الزايد ، بعد أن قطع العقلاء بأنّ الدائرة على بيبغا اليحياوي فانعكس الحال فسبحان الفعّال.
ثمّ دخل السلطان الملك الصالح إلى دمشق المحروسة في نهار الخميس مستهلّ شهر رمضان المعظّم ، ورسم بتوسيط برناق ، وجماعة من الأمراء بدمشق تحت القلعة في ثالث شوّال ، ثمّ توجّه إلى مصر بعد صلاة الجمعة