فى العلم بالجواز مع الأدلة التى قدمناها عليه مع استقراء الأدلة الشرعية فلم يوجد فيها ما يدل على المنع منه فنحن نقطع بجواز ذلك ، ومن منع أورام إثبات خلاف فيه فليبينه ، والمسجد وإن فضلت الصلاة فيه فالحجرة لها فضل آخر يختص بها يزيد شرفها به ، فحكم أحدهما غير حكم الآخر ، والحجرة الشريفة هى مكان المدفن الشريف فى بيت عائشة رضى الله عنها وما حوله ، ومسجد النبى صلىاللهعليهوسلم وسع وأدخلت حجر نسائه التسع فيه ، وحجرة حفصة رضى الله عنها هى الموضع الذى يقف فيه الناس اليوم للسلام على النبى صلىاللهعليهوسلم وكانت مجاورة لحجرة عائشة رضى الله عنها التى دفن فيها صلىاللهعليهوسلم فى بيتها ، وتلك الحجر كلها دخلت فى المسجد ، وأما ما كان غير بيت عائشة رضى الله عنها فكان للنسوة الثمان به اختصاص ولهن فى تلك البيوت حق السكن فى حياتهن ، فيتحمل أن يقال : إن البيوت التسعة كانت للنساء التسع لقوله تعالى : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ)(١) ، ويحتمل أن يقال : إنها للنبى صلىاللهعليهوسلم لقوله تعالى : (بُيُوتَ النَّبِيِ)(٢) وهذا هو الأولى ، ثم بعد هذا هل تكون بعده صدقة ويكون لهن فيها حق السكنى ، أو كيف يكون الحال؟ والظاهر الأول ، ويحتمل أن يقال : إنها لهن بعده ويكون قد دخلت بالشراء والوقف فى المسجد كغيره من الأماكن ، وإن كان الأول فيكون أدخلت فى المسجد إن لم يكن لها حكمة ، وحكم صدقته صلىاللهعليهوسلم جار عليها ومن جملة صدقته انتفاع المسلمين بالصلاة والجلوس فيها هذا كله فى غير المدفن الشريف ، أما المدفن الشريف فلما يشمله حكم المسجد بل هو أشرف من المسجد وأشرف من مسجد مكة وأشرف من كل البقاع كما حكى القاضى عياض رحمهالله تعالى الإجماع على ذلك أن الموضع الذى ضم أعضاء النبى ، لا خلاف فى كونه أفضل ، وأنه يستثنى من قول الشافعية والحنفية والحنابلة وغيرهم أن مكة أفضل من المدينة ، ورأيت جماعة يستشكلون نقل هذا الإجماع ، وقال له قاضى القضاة شمس الدين السروجى الحنفى رحمهالله : طالعت فى مذهبنا خمسين مصنفا لم أجد فيها تعرضا لذلك وقال لى : ذكر الشيخ عز الدين ابن عبد السلام لنا ولكم أدلة فى تفضيل مكة
__________________
(١) سورة الأحزاب : آية (٣٤).
(٢) سورة الأحزاب : آية (٥٣).