ذلك فى مسجد مكة ، وما ذلك إلا للأدب مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ووجوب معاملته الآن كما يجب أن يعامل به لما كان بين أظهرنا ، وكانت عائشة رضى الله عنها تسمع الوتد يوتد والمسمار يضرب فى البيوت المطيفة به فتقول : «لا تؤذوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم» ، فمن هذا الوجه يستحق التعظمة والتوقير ما لا يستحقه غيره ، وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام» فعند مالك رحمهالله يكون أفضل من المسجد الحرام بما دون الألف ، وعندنا وعند الحنفية والحنابلة الصلاة فى المسجد الحرام أفضل من الصلاة فى غيره ، واختلفوا إذا وسع عما كان عليه فى زمن النبى صلىاللهعليهوسلم فى غيره ، واختلفوا إذا وسع عما كان عليه فى زمن النبى صلىاللهعليهوسلم هل تثبت هذه الفضيلة أو يختص بالقدر الذى كان فى زمنه صلىاللهعليهوسلم؟ فمن رأى الاختصاص النووى رضى الله عنه للإشارة إليه بقوله : مسجدى هذا ، ورأى جماعة عدم الاختصاص وأنه لو وسع مهما وسع فهو مسجده كما فى مسجد مكة شرفها الله تعالى إذا وسع ، فإن تلك الفضيلة ثابتة له ، وقد قيل : إن مسجد النبى صلىاللهعليهوسلم كان فى حياته سبعون ذراعا فى ستين ذراعا ولم يزد فيه أبو بكر رضى الله عنه شيئا ، وزاد فيه عمر رضى الله عنه ولم يغير صفة بنائه ، ثم زاد فيه عثمان رضى الله عنه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة وهى الجص وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج ، ثم زاد فيه الوليد فى ولاية عمر بن عبد العزيز (١) رضى الله عنه على المدينة ومباشرته وعمل سقفه بالساج وماء الذهب ، وكان الوليد أرسل إلى ملك الروم إنى أريد أن أبنى مسجد نبينا ، فأرسل إليه بأربعين ألف دينار وأربعين روميا وأربعين قبطيا عمالا وشيئا من آلات العمارة ، وعمر بن عبد العزيز رحمهالله تعالى أول من عمل محرابا وشرفات فى سنة إحدى وسبعين ، ثم وسعه المهدى ، وأما الحجرة الشريفة فتعليق القناديل الذهب فيها أمر معتاد من زمان فلا شك أنها أولى بذلك من غيرها ، والذين ذكروا الخلاف فى المساجد لم يذكروها ولا تعرضوا لها ، كما لم يتعرضوا لمسجد النبى صلىاللهعليهوسلم ، وكم من عالم وصالح من أقطار الأرض قد أتاها للزيارة ولم يحصل من أحد إنكار للقناديل الذهب التى هناك فهذا وجه كاف
__________________
(١) أخبار مكة للأزرقى ١ / ٢١٠.