فمن ذلك أنه فى شهر شعبان المعظم المنتظم فى سلك سنة تسع وثلاثين وألف الذى أنزل فيه آية الصلاة على النبى المكرم قد عمد السيل إلى عقود البيت الحرام ففسخها ، وإلى محكم آيات بناية فنسخها ، وانتصب لعالى ما بنى منه على الرفع فكسره ، وإلى ما جمع جمع السلامة منه فكسره ، فبلغت من ذلك القلوب الحناجر ، وفعلت المخافة بالمسلمين ما لا تفعله الخناجر ، وكادت أنفسهم أن تتفطر أسفا من ذلك ، ونجوم سماء مسرتهم قد تسربلت بعموم الغموم لما هل لهم من المهالك ، وشارفت الأرض أن تنشق وتخر الجبال هدا ، وتحمل المسلمون من أثقال تلك المساءة إدّا ، وكلما سكن الواعظ قلوبهم بطلب التوبة والإقبال على الله تعالى وهدّا ، أقلقهم الأسف فلا يجدون من تساكب المدامع بدا ، ظنا منهم أن بساط الوجود قد أشرف على الانطواء وأن نجوم سمائه قد دنت من الغروب كأن لم يخفق على مفرقه عصابة ذاك اللواء.
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا |
|
أنيس ولم يسمر بمكة سامر |
وذلك لما جبلوا عليه من محبة هذا البيت العظيم والقيام بما يجب له من مزيد الإجلال والتكرم ، وكيف لا وهو قبلتهم التى يصلون إليها ووسيلتهم التى يطوفون بها ويحجون إليها؟ وفى ذلك دلالة على بقاء الخير الكثير والفضل الخطير فى هذه الأمة المكرمة والعصابة المعظمة حيث بقى فيهم المحافظة على احترام هذا البيت الشريف والقيام بحماية حرمتها المنيفة ، عملا فى ذلك بما جاء فى الحديث المجمع على العمل به فى القديم والحديث من قوله عليه الصلاة والسلام : «لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحومة حق تعظيمها «يعنى الكعبة والحرم» فإذا ضيعوا ذلك هلكوا» ولما دهى العالم هذه النازلة التى هدّمت ما شيد فى الدهور ، والمعضلة التى ظن الناس بما أرته أن إسرافيل قد نفخ فى الصور ، صارت الأفكار لها مستهولة ، ومن شدة وقعتها متزلزلة ، خصوصا لما وقفوا على الأثر القدسى المروى عن على بن أبى طالب رضى الله عنه وهو : «قال الله تعالى : «إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتى فخربته ثم أخرب الدنيا على أثره» ، فعند ذلك صاروا أحير من ضب وأذهل من صب ، وكان من الواجب على العلماء أن يبينوا للناس ما خفى عليهم ، وأن لا يكتموا شيئا مما