يحول تحويلا كليا وإلا لأنكره العلماء الذين هم من الأئمة المجتهدين رضى الله عنهم مع توقيره لهم إذ ذاك ، كان الإمامان أبو يوسف ومحمد بن الحسن رضى الله عنهما والإمام مالك بن أنس رضى الله عنهم موجودين يومئذ ، وقد أقروا ذلك وسكتوا عليه ، وأيضا من سار بعد ذلك الوقت فى مرتبة الاجتهاد كالإمام الشافعى وأحمد بن حنبل وبقية المجتهدين رضى الله عنهم ، فكان إجماعا منهم رضى الله عنهم على صحة السعى ، ويبقى الإشكال فى جواز إدخال شىء من المسعى فى المسجد وكيف يصير ذلك مسجدا ، وكيف يصير حال الاعتكاف فيه؟ وجوابه أن يجعل حكم المسعى حكم الطريق العام ، قال علماؤنا : إدخال الطريق فى المسجد إذا لم يضر بأصحاب الطريق فيصير مسجدا ويصح الاعتكاف حيث لم يضر بمن يسعى والله تعالى أعلم ، فاعلم ذلك وهذا مما تفردت ببيانه والحمد لله على التوفيق لبيانه ، انتهى كلام القطبى.
وأقول فى قوله : إن حكم المسعى حكم الطريق العام وإن حكم الطريق العام أنه إذا لم يضر بأهله أنه يجوز إدخاله فى المسجد ويصير مسجدا يصح الاعتكاف فيه نظر لا يخفى ؛ وذلك لأن الفرق بين الطريق العام والمسعى ظاهر ؛ لأن فى المسعى أمرا ظاهرا يقتضى عدم إلحاقه بالطريق العام وهو كونه متعبدا أو نسكا لعامة المسلمين فصارت كالمساجد وغيرها من المسبلات ، وما هذا شأنه لا اختصاص منه لأحد إلا بالسبق بالبناء فلا إذ هو ممتنع فيه ، ونظير ذلك ما اعترض به على إفتاء الشيخ نجم الدين عبد الرحمن بن يوسف الأصفونى الشافعى مؤلف مختصر الروضة حيث أفتى بأن منى كغيرها فى جواز بيع دورها وإجارتها ، فاعترض عليه بأنه غير سديد نقلا ونظرا ، أما بالنقل فلما روى من حديث عائشة رضى الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله ألا نبنى لك بناء يظلك؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لا منى مناخ من سبق ، أخرجه الترمذى وحسنه وجزم النووى فى المنهاج بأن منى ومزدلفة لا يجوز إحياء مواتها كعرفة ، وأما النظر فلأن أعظم ما يمكن أن يتمسك به فى ذلك أن يقال بجواز إحياء موات الحرام ومنى منه فيملك ما أحيى فيها ويجرى فيه أحكام تلك الملك ، وهذا لا يستقيم ؛ لأن فى منى أمرا زائدا لعامة المسلمين فصارت كالمساجد وغيرها من المسبلات ، وما هذا شأنه لا اختصاص فيه لأحد إلا بالسبق ، وأما بالبناء فلا ، إذ هو ممتنع والله أعلم ، والعجب كل العجب من القطبى (١) حيث ذكر هذا الجواب
__________________
(١) انظر إعلام العلماء الأعلام ص ٢٦.