وتبجح به ثم أعقبه بإنكار عامة العلماء بالأقطار الحجازية على المرحوم السلطان قايتباى وعلى وكيله الخواجة ابن الزمن ، حيث تعدى على جانب المسعى مقدار ثلاثة أذرع وأدخله فى رباطه الذى وقفه بمكة المشرفة ليسكنه الفقراء ، فقام عليه القضاة والعلماء وأحضروا له النقل من تاريخ الفاكهى بأن عرض المسعى كان خمسة وثلاثين ذراعا وذرعوا من ركن المسجد إلى المحل الذى وضع فيه ابن الزمن أساسه فكان سبعة وعشرين ذراعا ، فعند ذلك منعه القاضى وتوجه بنفسه ومنع البنائين وأجمع علماء العصر على المنع ، فعند ذلك غضب المرحوم السلطان قايتباى من ذلك وعزل القاضى وولى غيره وبنى الرباط وأدخل القدر المذكور من المسعى فيه ، قال القطبى : ويا لله العجب كيف ارتكب السلطان قايتباى هذا الأمر المجمع على تحريمه فى مشعر من مشاعر الله تعالى طالبا الثواب ، مع أنه كان أحسن ملوك الجراكسة عقلا ودينا وخيرية؟ وكيف يعزل قاضى الشرع الحنيف لكونه نهى عن منكر ظاهر الإنكار؟ فلو كان جوابه الذى ينجح بانفراده صحيحا لما ساغ له الإنكار على المرحوم السلطان قايتباى ووكيله الخواجة ابن الزمن فى هذا الفعل ؛ لأن لهما أن يتمسكا بما أجاب به من أن المسعى له حكم الطريق العام فيجوز أخذ جانب منه وإدخاله فى المساجد ونحوها كالرباط ، فلو لا أنه ليس له حكم الطريق العام فى ذلك لكونه كالمساجد المسبلة ؛ لأنه مشعر من مشاعر الله تعالى للعبادة فيه ما ساغ إجماع علماء ذلك العصر على إنكاره ، ولكن وقع له ذلك ليظهر صدق قول الأمام مالك رحمهالله تعالى : كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا المعصوم صلىاللهعليهوسلم ، وكلام إمامنا الشافعى رضى الله عنه حيث قال : صنفت هذه الكتب وما ألوت فيها جهدا وإنى لأعلم أن فيها الخطأ لأن الله تعالى يقول : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(١).
هذا وقد فات القطبى شىء آخر نبه عليه الإمام التقى الفاسى وقال : إن الأزرقى لم يذكره ، وقد ذكر ذلك الفاسى مع التنبيه على الاعتراض السابق الذى نسبه القطبى لنفسه ، فقال التقى : ويسرع الساعى إذا توجه من الصفا إلى المروة إذا صار بينه وبين العلم الأخضر الذى بالمنارة المشار إليها والمحاذى له نحو ستة أذرع على ما ذكر صاحب التنبيه وغيره ، قال المحب الطبرى فى شرحه للتنبيه :
__________________
(١) النساء : آية (٨٢).