غير أن الناس كانوا يعلمون أن موضع البيت فيما هنالك من غير يقين محله ، وكانوا يحجون إلى موضعه حتى بوأه الله لإبراهيم صلىاللهعليهوسلم ، ولهذا ذهب بعضهم إلى أن المرفوع هو البناء إلى السماء وأنه البيت المعمور كما يأتى وهذا كله ظاهر على القول فإن سيدنا آدم صلىاللهعليهوسلم ، بنى البيت ، وأما على القول بأنه لم يبنه وإنما أنزل عليه خيمة ثم رفعت زمن الطوفان إلى السماء فلا ضرورة لحمل عبارة الكشاف (١) فى سورة إبراهيم على ما قاله ابن هشام حينئذ ، بل تحمل على أنه الخيمة وأن موضعه منع منه الطوفان فاعتقد منه بأن رفعت الخيمة إلى السماء ولم يستول الطوفان على محلها أيضا. والذى يدل على مراد الكشاف فى سورة إبراهيم هذا المعنى اقتصاره فى سورة البقرة عليه حيث قال فى تفسير قوله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ) الآية روى أن الله تعالى أنزل البيت ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمردة شرقى وغربى وقال لآدم عليهالسلام : أهبطت لك ما يطاف به كما يطاف حول عرشى ، فتوجه آدم من أرض الهند إليه ماشيا وتلقته الملائكة فقالوا : بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام ، وحج آدم أربعين حجة من أرض الهند إلى مكة على رجليه فكان على ذلك إلى أن رفعه الله أيام الطوفان إلى السماء الرابعة فهو البيت المعمور انتهى.
وهذا أحد الأقوال فى البيت المعمور ، وقيل : إن البيت المعمور هو البيت الذى بناه آدم أول ما نزل إلى الأرض ـ كما سيأتى فى الكلام على البيت المعمور ـ ثم رفع إلى السماء أيام الطوفان ، وتسميه الملائكة الضراح ؛ لأنه ضرح عن الأرض إلى السماء بمعنى أبعد ، وقد نسب هذا القول للزمخشرى الشيخ ابن حجر فى رسالته ، ولعل الزمخشرى قاله فى غير الكشاف ، فأنا لم نطلع على أنه قال ذلك فى الكشاف ، وإذا صح ذلك فالمرفوع نفس البناء أيضا. وفى تاريخ النويرى (٢) فى قصة نوح صلىاللهعليهوسلم أن الطوفان لما عم الأرض أمر الله الملائكة أن يحتملوا البيت إلى السماء الدنيا وكان الحجر الأسود يومئذ أشد بياضا من الثلج ، فيقال إنه اسود من خوف الطوفان انتهى. فاستفيد منه وقت
__________________
(١) ٢ / ١٥٠.
(٢) ج / ١ شفاء الغرام ١ / ١٦٩.