مبتدأ اسوداد الحجر وإن العلة خوف الطوفان ، لكن فى كون العلة ذلك لا يناسب ما فى الحديث من قوله إنما سوده خطايا بنى آدم ، ثم رأيت بعض المصنفين من العلماء من أرباب الولاية ذكر أن القاضى اعترض هذا القول بأن موضع التشريف هو تلك الجهة المعنية والجهة لا يمكن رفعها إلى السماء ، ألا ترى أن الكعبة ـ والعياذ بالله ـ لو انهدمت ونقلت أحجارها وأخشابها وترابها إلى موضع آخر لم يكن لها شرف البتة ويكون شرف تلك الجهة باقيا بعد الانهدام ويجب على كل مسلم أن يصلى إلى تلك الجهة بعينها ، وإذا كان كذلك فلا فائدة فى نقل تلك الجدران إلى السماء ، ولقائل أن يقول : لما صارت تلك الأحجار ونحوها منسوبة لتلك الجهة اكتسبت منها مزيد الشرف فلهذا نقلت بأمر الله تعالى إلى السماء زمن الطوفان ، وحينئذ فنقلها إلى السماء من أعظم الدلائل على نهاية تعظيم تلك الجهة بحيث ينقل إلى السماء ما كان مستقرا بها ألا ترى أن بناءها يزف يوم القيامة إلى الجنة ويكون بها هذا كله محصل كلام هذا المصنف ، ولم أدر مراده بالقاضى الذى نسب له هذا الاعتراض وأجاب عنه ، هل هو القاضى البيضاوى فى تفسيره أو فى بعض كتبه ، أو القاضى عياض؟ ومع هذا فلم نقف على ذلك فى كلام القاضى البيضاوى (١) فى تفسير سورة آل عمران عند الكلام على قوله تعالى : «إن أول بيت وضع للناس» الآية بعد حكاية بعض الأقوال ، وقيل : كان فى موضعه قبل آدم بيت يقال له الضراح تطوف به الملائكة فلما أهبط آدم أمر بأن يحجه ويطوف حوله ، ورفع فى الطوفان إلى السماء الرابعة تطوف به ملائكة السموات ، وهو لا يلائم ظاهر الآية ، انتهى كلام القاضى البيضاوى. فقوله : «وقيل كان فى موضعه قبل آدم بيت» قال المحسن شيخ الإسلام زكريا الأنصارى ـ نفعنا الله ببركاته ـ بنته الملائكة ، وقوله : «وهو لا يلائم ظاهر الآية» ، قال شيخ الإسلام المذكور : أى القول بأنه قبله بموضعه بيت فرفع إلى السماء لا يلائم ظاهر الآية. كما لا يخفى مع أن موضع التشريف هو تلك الجهة المعينة والجهة لا يمكن رفعها انتهى.
فأنت تراه إنما اعترض القول بأنه كان بموضعه قبل آدم بيت يقال له الضراح ، وأنه استمر حتى حجه آدم ودام إلى أن رفع زمان الطوفان ، وكلام القاضى
__________________
(١) انظر تفسيره ١ / ٣٢٠.