مجمل فعين شيخ الإسلام أن ذلك البيت بنته الملائكة ، وأنه هو المرفوع زمن الطوفان ، وذكر أن وجه عدم ملائمة هذا القول لظاهر الآية ظاهر ، وزاد أن موضع التشريف هو تلك الجهة المعينة والجهة لا يمكن رفعها ، وهذا من تصرفات شيخ الإسلام ، وحمل لعبارة القاضى بما لا يتعين أنه مراده لجواز أن يكون كلامه محمولا على الخيمة التي كانت قبل آدم يطوف بها الملائكة ، وأن وجه عدم ملائمة ذلك لظاهر الآية إما لما قاله القصام فى حواشى القاضى من أنه لم يكن حينئذ وضع للناس بل للملائكة ، وإنما قال : «ظاهر الآية» لأنه يمكن تصحيحه بأنه أيضا للناس إلا أنه تتبرك به الملائكة قبل آدم ولم يكن وضعه لهم انتهى. أو لما قاله الكازرونى من أنه يدل حينئذ على أن الذى ببكة هو أول بيت وضع للناس هو الضراح الذى رفع فى زمن الطوفان انتهى. فتأمل.
ثم رأيت فى كلام بعض المحققين من شراح الحديث أنه روى أن الله أوحى إلى آدم عليهالسلام : «إنى أهبطت لك ما يطاف به كما يطاف حول عرشى» فتوجه آدم من أرض الهند إليه ماشيا وتلقته الملائكة فقالوا : «برّ حجك يا آدم ، فقد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام» يعنى فى السماء انتهى. فهذا تأويل يمنع من حج الملائكة لما أهبط إلى آدم فى الأرض قبل وجود آدم وأنهم حجوه قبله فى السماء ، وهذا يقتضى عدم هبوط بيت لهم فى الأرض قبل آدم وعدم بنائهم له قبله أيضا فيكون أول هبوط ذلك البيت زمن آدم لا قبله فيلائم ظاهر الآية عن قوله تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) ثم اعلم أنه لا يشكل على ما تقدم من أن الطوفان لم يستول على البيت الشريف ولا على محله ما ذكره العلماء من أن طينة نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم من سرة الأرض بمكة يعنى الكعبة ، وأنه لما خاطب الله السموات والأرض بقوله : «ائتيا طوعا أو كرها» أجاب من الأرض موضع الكعبة ومن السماء ما يحاذيها ، وأن المجيب من الأرض ذرته صلىاللهعليهوسلم ، ومن الكعبة دحيت الأرض ولم يكن مدفنه صلىاللهعليهوسلم بها ؛ لأنه لما تموج ماء الطوفان رمى الزبد إلى النواحى فوقعت جوهرته صلىاللهعليهوسلم إلى ما يحاذى تربته بالمدينة واستقرت بها ، فإن ظاهر هذا الكلام أن الطوفان دخل الكعبة وأخذ منها ذرته صلىاللهعليهوسلم وألقاها بمحل قبره الشريف ؛ لأنا نمنع ذلك لجواز أن ذرته الشريفة حملتها