الرياح وألقتها فى ماء الطوفان الذى حول البيت ثم تموج الماء بها إلى أن جاء إلى محل القبر الشريف ، وحينئذ فلعل الفرق بين الطوفان والسيول أن الطوفان كان عذابا بخلاف السيول التى تقع جهة البيت الشريف لما سيأتى من أنها علامة على الخصب للجانب الذى تحصل فيه حتى لوعم جوانبه كان الخصب عاما لتلك الجهات كلها ، ولكن تبقى الحكمة فى عدم استيلاء السيول على محله فيما بين زمن نوح وإبراهيم صلىاللهعليهوسلم مع استيلائها على بنائه فى هذا الزمن وهل الحكمة فى ذلك الوفاء بما أخبر به صلىاللهعليهوسلم من انهدامه بعده مرتين ورفعه فى الثالثة؟ ولم يكن ليهدمه المسلمون فسلط الله عليه السيل ليهدمه تصديقا لهذا الخبر الصادق واتعاظا لهذه الأمة وتنسيبها لها ليزدادوا من الاستمتاع به ؛ لأنه على جناح مسافر لقرب الساعة ووقوع بعض أشراطها ، ثم فى دعاء سيدنا نوح صلىاللهعليهوسلم على ولده حام الذى تعدى فى الحرم بسواد لون بنيه تنبيه على أن معصية الآباء ولو كانوا ممن لا يعقل ، يضر الأبناء وطاعتهم تنفع الذرية ، ونظير ذلك ما ذكره الزركشى فى حمام الحرم أنه احترم لبيض أصله على نسج العنكبوت ؛ فلذلك احترم حمام الحرم وهو من جنس قوله تعالى : (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً)(١) قيل : جدهما السابع فحفظ الأعقاب رعاية للأسلاف وإن طالت الأحقاب ، وضد هذا ما أمر به النبى صلىاللهعليهوسلم من قتل الوزغ لما قيل : إنها كانت تنفخ النار على إبراهيم صلىاللهعليهوسلم.
وأما الجواب ما ذكره الزركشى وابن عطية (٢) من عدم دخول سيل الحل فى الحرم فقد ذكره العلامة المؤرخ الفاسى (٣) عن الأزرقى ما يخالف كلام الزركشى فإنه قال : ذكر الأزرقى (٤)(٥) للحرم علامة ؛ لأنه قال : «وكل واد فى الحرم فهو يسيل فى الحل ولا يسيل واد من الحل فى الحرم إلا فى موضع واحد عند التنعيم عند بيوت نفاد». انتهى.
__________________
(١) سورة الكهف آية (٨٢).
(٢) تفسير ابن عطية ٣ / ١٤٠
(٣) شفاء الغرام ٢ / ٥٠
(٤) أخبار مكة ٢ / ٧٠
(٤) شفاء الغرام ج / ١ ص ٥٤