يرى من هذا ما لا ترون. قال : إني قاتلك ، قال : والله يا أمين آل محمّد ، إنك تعلم أن هذا ليس باليوم الذي تقتلنّي فيه ، قال : ففي أي يوم أقتلك؟ قال : يوم تضع كرسيك على باب مدينة دمشق ، فتدعو بي يومئذ فتضرب عنقي ، فقال المختار لأصحابه : يا شرطة الله من يذيع حديثي؟ ثم خلّى عنه ، فقال سراقة : وكان المختار يكنى أبا إسحاق :
ألا أبلغ أبا إسحاق أنّي |
|
رأيت البلق دهما مصمتات (١) |
كفرت بوحيكم وجعلت نذرا |
|
عليّ هجاكم (٢) حتى الممات |
أري عينيّ ما لم ترأياه |
|
كلانا عالم بالتّرّهات |
ثم قدم سراقة بعد ذلك العراق مع بشر بن مروان ، وكان بشر من فتيان قريش سخاء ونجدة ، وكان ممدّحا فمدحه جرير والفرزدق وكثيّر وأعشى بني شيبان ، وكان يغري بين الشعراء ، وهو أغرى بين جرير والأخطل فحمل سراقة على جرير حتى هجاه فقال (٣) :
أبلغ تميما غثّها وسمينها |
|
والقول (٤) يقصد تارة ويجور |
إن الفرزدق برزت حلباته |
|
عفوا وغودر (٥) في الغبار جرير |
ما كنت أول محمئر عثرت (٦) به |
|
آباؤه إن اللئيم عثور |
حرّر كليبا إنّ خير صنيعة |
|
يوم الحساب العتق والتحرير |
هذا القضاء البارقي وإنني |
|
بالمثل (٧) في ميزانه لجدير |
قال : فقال جرير في قصيدته التي قال فيها (٨) :
يا صاحبيّ هل الصباح منير |
|
أم هل للوم عواذلي تفتير (٩)؟ |
__________________
(١) الأبيات في المصادر السابقة.
(٢) المصمتات جمع مصمت : وهو الذي لا يخالطه لون آخر. يعني أن دهمتها خالصة لا يشوبها لون آخر.
(٣) في الجمحي والأغاني والعقد الفريد : قتالكم.
(٤) الأبيات في طبقات الجمحي ص ١٤٦ والأغاني ٨ / ٨ و ٦٨ في أخبار جرير.
(٥) الأغاني : والحكم.
(٦) في الأغاني : برزت أعراقه سبقا وخلّف.
(٧) الأغاني : قعدت به ، والمحمر : اللئيم.
(٨) في المصدرين : بالميل ، وفي الأغاني : بالميل في ميزانكم لبصير ، وفي رواية : ميزانهم.
(٩) ديوان جرير ط بيروت ص ٢٢٣ وطبقات الجمحي ص ١٤٦ والأغاني ٨ / ١٩ و ٦٩.