المغانم سفطا (١) فيه جوهر فاستوهبه من المسلمين لعمر فوهبوه له فبعث به رجلا وبالفتح ، وكان الرسل والوفد يجازون ، وتقضى لهم حوائجهم ، فقال له سارية : استقرض ما تبلّغ به وتخلّفه لأهلك على جائزتك ، فقدم الرجل البصرة ، ففعل ثم خرج فقدم (٢) على عمر فوجده يطعم الناس ومعه عصاه التي يزجر بها بعيره فقصد له فأقبل عليه بها فقال : اجلس ، فجلس ، حتى إذا أكل انصرف عمر ، وقام فاتبعه فظن عمر أنه رجل لم يشبع ، فقال حين انتهى إلى باب داره : ادخل وقد أمر الخباز أن يذهب بالخوان إلى مطبخ المسلمين ، فلما جلس في البيت أتي بغدائه خبز وزيت وملح جريش ، فوضع وقال : ألا تخرجين يا هذه فتأكلين؟ قالت : إني لأسمع حسّ رجل ، فقال : أجل ، فقالت : لو أردت أن أتزر (٣) للرجال اشتريت لي غير هذه الكسوة ، فقال : أو ما ترضين أن يقال : أم كلثوم بنت علي وامرأة عمر؟ فقالت (٤) : ما أقلّ غناء ذلك عني ، ثم قال للرجل : ادن فكل ، فلو كانت راضية لكانت أطيب مما ترى ، فأكلا حتى إذا فرغ قال رسول سارية بن زنيم : يا أمير المؤمنين ، قال : مرحبا وأهلا ، ثم أدناه حتى مسّت ركبته ركبته ، ثم سأله عن المسلمين ، ثم سأله عن سارية بن زنيم ، فأخبره ، ثم أخبره بقصة الدّرج ، فنظر إليه ثم صاح به ثم قال : لا ولا كرامة حتى تقدم على ذلك الجند فيقسمه بينهم ، فطرده فقال : يا أمير المؤمنين إني قد أنضيت إبلي واستقرضت على جائزتي فأعطني ما أتبلغ به ، فما زال عنه حتى أبدله بعيرا ببعيره من إبل الصدقة ، وأخذ بعيره فأدخله في إبل الصدقة ، ورجع الرسول مغضوبا عليه محروما حتى قدم البصرة ، فنفذ لأمر عمر ، وقد سأله أهل المدينة عن سارية وعن الفتح ، وهل سمعوا شيئا يوم الوقعة؟ فقال : نعم ، سمعنا : يا سارية الجبل ، وقد كدنا أن نهلك ، فألجأنا إليه ففتح الله تعالى علينا.
قال : ونا سيف ، عن المجالد ، عن الشعبي مثل حديث عمرو ، في ذلك.
وقال سارية بن زنيم :
لقد علمت وعلم المرء ينفعه |
|
أن سوف يدركني يومي ومقداري |
__________________
(١) بالأصل : سقطا ، بالقاف ، والصواب ما أثبت بالفاء عن م وانظر الطبري ، والسنط : وعاء ، أو كالقفة.
(٢) بالأصل : فقد ، والمثبت عن م والطبري.
(٣) الطبري : أبرز.
(٤) الأصل : قالت.