منذ عهد معاوية بن أبي سفيان الذي قدم الخطبة على صلاة الجمعة ، لأن الناس كانوا يكرهون سماع اللعن ، فكانوا إذا أدوا الصلاة خرجوا من المسجد. أراد معاوية من ذلك كما قال ابن أبي الحديد : «تشييد الملك وتأكيد ما فعله الأسلاف ، وأن يقرر في أنفس الناس أن بني هاشم لاحظ لهم في هذا الأمر ، وأن سيدهم الذي به يصولون ، وبفخره يفخرون ، هذا حاله وهذا مقداره ، فيكون من ينتمي إليه ويدلي به عن الأمر أبعد ، وعن الوصول إليه أشحط وأنزح». على أن الطالبيين كانوا يقنتون عقيب كل صلاة ويلعنون أيضا بني أمية.
وكتب عمر بن عبد العزيز الى نوابه بإبطال السب وكانوا يقولون : لعن الله أبا تراب. ولما خطب يوم الجمعة ، أبدل السب في الخطبة بقوله تعالى : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ). وقيل: بل جعل مكان ذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). فاستمر الخطباء على قراءتها الى هذا اليوم ، وشكر سعيه كل عاقل. وردّ عمر بن عبد العزيز المظالم ، وسار سيرة عمر بن الخطاب جده لأمه ، واستعمل أصلح من قدر عليه ، فسلك عماله طريقته ، واستدعى الجيش الإسلامي من حصار القسطنطينية ساعة ولي الخلافة حقنا لدماء المسلمين ، وكان قد بلغ منهم الجهد ، ولم يغفل مع ذلك عن غزو الروم عند الاقتضاء الشديد. ولو طال أجله لأجلى المسلمين عن الأندلس لأنه رأى مقامهم فيها غير طبيعي لإحاطة الأعداء بهم ، وردّ جيوش المسلمين من الشرق ومنعهم من التوغل فيه قائلا : يكفي ما فتح الله على المسلمين من الفتوح.
ويرجع الفضل في العهد لعمر بن عبد العزيز الى سليمان بن عبد الملك الذي عرف بحكمته أن ابن عبد العزيز أعدل رجل وأعقل رجل في بني أمية ، فعهد إليه بالخلافة فأحسن للأمة وأي إحسان ، وحنق عليه بعض المتلاعبين من أهل بيته فسقوه السم فيما قيل فهلك سنة ١٠١ ، وخلافته