«فاكتب محمّد رسول الله» ، فقال : لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك ، فكتب هذا ما صالح عليه (١) محمّد بن عبد الله قريشا ، يقول الله عزوجل في كتابه : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)(٢) فبعث إليهم عليّ عبد الله بن عبّاس ، فخرجت معه حتى إذا توسّط عسكرهم قام ابن الكوّا فخطب الناس ، فقال : يا حملة القرآن ، إنّ هذا عبد الله بن عبّاس فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرّفه من كتاب الله ما يعرفه به ، هذا ممن نزل فيه وفي قومه (قَوْمٌ خَصِمُونَ)(٣) فردّوه إلى أصحابه (٤) ، ولا تواضعوه كتاب الله ، فقام خطباؤهم فقالوا : والله لنواضعنه كتاب الله ، فإن جاء بحق نعرفه لنتبعنّه ، وإن جاءنا بباطل لنبكتنّه بباطله ، فواضعوا عبد الله الكتاب ثلاثة أيام ، فرجع منهم أربعة آلاف كلّهم تائب فيهم ابن الكوّا حتى أدخلهم على عليّ بالكوفة ، فبعث علي إلى بقيتهم فقال : قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم ، فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع (٥) أمة محمّد صلىاللهعليهوسلم بيننا وبينكم أن لا تسفكوا دما حراما ، أو تقطعوا سبيلا ، أو تظلموا ذمّة ، فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء ، إن الله لا يحب الخائنين.
فقالت له عائشة : يا ابن شدّاد فقد قتلهم؟ فقال : والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل ، وسفكوا الدم ، واستحلوا أهل الذمّة ، فقالت : الله ، قال : الله الذي لا إله إلّا هو ، لقد كان ، قالت : فما شيء بلغني عن أهل العراق (٦) يتحدّثون ويقولون : ذو الثدي وذو الثدي؟ قال : قد رأيته وقمت مع علي عليهالسلام (٧) في القتلى ، فدعا الناس ، فقال : أتعرفون هذا؟ فما أكثر من جاء يقول : قد رأيته في مسجد بني فلان ، ورأيته في مسجد بني فلان يصلّي ، ولم يأتوا فيه بثبت (٨) يعرف إلّا ذلك ، قالت : فما قول علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق ، قال : سمعته يقول : صدق الله ورسوله ، قالت : هل
__________________
(١) سقطت من المسند.
(٢) سورة الأحزاب ، الآية : ٢١.
(٣) سورة الزخرف ، الآية : ٥٨.
(٤) المسند : صاحبه.
(٥) عن م والمسند وبالأصل : يجتمع.
(٦) في المسند : أهل الذمة.
(٧) كذا بالأصل وم وفي المسند : وقمت مع علي رضياللهعنه عليه في القتلى.
(٨) ثبت بالتحريك : الحجة والبيّنة.