الفضل بن محمّد بن منصور ، قال : لما افتتح عبد الله بن طاهر مصر ، ونحن معه ، سوّغه المأمون خراجها سنة ، فصعد المنبر ، فلم ينزل حتى أجاز بها كلها ثلاثة آلاف ألف دينار أو نحوها ، فقبل أن ينزل أتاه معلّى الطائي ، وقد أعلموه ما صنع عبد الله بن طاهر بالناس في الجوائز ، وكان عليه واجدا ، فوقف بين يديه تحت المنبر ، فقال : أصلح الله الأمير ، أنا معلّى الطائي مما كان منك من جفاء وغلظ فلا تغلظ عليّ قلبك ولا يستخفنك ما قد بلغك ، أنا الذي أقول :
يا أعظم الناس عفوا عند مقدرة |
|
وأظلم الناس عند الجود للمال |
لو أصبح النّيل يجري (١) ماؤه ذهبا |
|
لما أشرت إلى خزن بمثقال |
تعبا (٢) بما فيه رقّ الحمد تملكه |
|
وليس شيء أعاض الحمد بالغال |
كفك باليسر كفّ العصر (٣) من زمن |
|
إذا استطال على قوم بإقلال |
فلم يحل (٤) كفّك من جود لمختبط (٥) |
|
أو مرهف قاتل في رأس قتال |
وما ثنيت (٦) رعيل الخيل في بلد |
|
إلّا عصفن بأرزاق وآجال |
هل من سبيل إلى إذن فقد ظمئت |
|
نفسي إليك فما تروى على حال |
إن كنت منك على بال مننت به |
|
فكان (٧) شكرك من حمدي (٨) على بال |
ما زلت مقتضيا (٩) لو لا (١٠) مجاهرة |
|
من ألسن خضن في ضرّي (١١) بأقوال |
قال : فضحك عبد الله وسرّ بما كان منه ، وقال : يا أبا السمراء بالله أقرضني عشرة آلاف دينار ، فما أمسيت أملكها ـ زاد الخطيب : فأقرضه ـ وقالا : فدفعها إليه.
__________________
(١) عن المصادر السابقة ، وبالأصل «تجري».
(٢) الأصل وم ، وفي تاريخ بغداد والوافي «تعنى» وفي الأغاني : تغلي.
(٣) الأصل وم ، وفي المصادر السابقة : تفك باليسر كفّ العسر.
(٤) في م : «فلم يجد» وفي المصادر : لم تخل.
(٥) اختبطه وتخبطه : سأله المعروف بلا وسيلة من آصرة قربى أو مودة أو معرفة.
(٦) الأصل وم ، وفي المصادر السابقة : وما بثثت.
(٧) تاريخ بغداد والأغاني والوافي : «فإن».
(٨) الوافي : «حمد» وفي الأغاني : من قلبي.
(٩) الأصل وم والأغاني : «مقتضبا» والمثبت عن تاريخ بغداد والوافي.
(١٠) بالأصل : «لولاه» والمثبت عن م والمصادر.
(١١) الأغاني : «صدري» وفي تاريخ بغداد : «صبري» وفي الوافي : «بشري».