والحق يقال ان عظم هذه المأساة الكبرى التي خلفها اكتساح المغول المتوحشين لحواظر العالم الاسلامي وخصوصاً بغداد كان اكبر من أن يوصف أو أن يتصور ، وما كان الحال الذي آلت اليه الدولة الاسلامية العظيمة التي بلغت دعوتها أقاصي المعمورة ، وداست سنابك خيولها المباركة الأبعاد النائية ، إلاّ نتيجة منطقية لحالة التفسخ والانحراف الذي أصاب مركز الخلافة الاسلامية ، وتشجيع الدولة لمظاهر التفرقة الطائفيّة ، واطلاقها لايدي المماليك في شؤون الدولة يعيثون فيها فساداً وتخريباً.
ومن هنا فقد كانت المعادلة غيرمتوازنة بين القوتين المتصارعتين ، بين المغول الاشداد المتمرسين على القتال والكثيري العدّة والعدد ، وبين الخلافة المهزوزة والمنشغلة بفتنها ولهوها وابتعاد عموم المسلمين عنها وعدم ايمانهم بشرعيتها.
اذن لقد كانت النتيجة محسومة سلفاً ، بيد ان هذا الامر لم يكن ليدركه أو ليقدره المستعصم القصير النظر ، والمتأثر الى حد كبير بما يمليه عليه افراد حاشيته ومستشاريه من المماليك والجهلة ، ممن لا يصيخون للحق سمعاً ، ولا للعقل انصاتاً.
ولقد كانت الصورة واضحة بينة امام ناظري رجالات الشيعة ووجوهها ، وكانوا يدركون فداحة الخطب الذي ستؤول اليه الامور بعد سقوط مركز الحكم الاسلامي في بغداد ، فقدموا النصح المخلص المتوالي للخليفة ورجاله ممن يمتلكون ظلماً ناصية الدولة الاسلامية ، فأولوا من قبل الدولة ورجالها آذاناً صماء وإعراضاً متعمداً ، كانت نتيجته ما كان مما حدثنا به التأريخ بشكل واسع ومفصّل.
ولما ادرك علماء الشيعة اصرار الخليفة العباسي على موقفه الجاهل وغير المتبصر ، وما عاينوه من الاهوال الكبيرة التي احاطت بالعاصمة الاسلامية