نستشفه من تلك الكلمات الشاعرية التي صدّر بها مؤلّفه تحت عنوان «وهكذا كان الفضل».
يقول ـ رحمهالله ـ «كانت وليدة رغبة ملحة ، بدأت معها أشق طريقي للغاية المرجوة ، كنت بين جنان قباء وردهات صلحة ، منها كنت أطل على واقم ، وأسمع خرير العقيق ، وأصعد على قمم أحد ، وأسمع نشيد بنات النجار في الغيب ...».
** والتزام «العياشي» بالمنهج العلمي ، في دراسة آثار المدينة النبوية ، يظهر في ذلك النقد الذي وجهه لمن سبقه من المؤلفين الذين كانوا يكتفون بتحديد الموضع ، بقوله مثلا : «ونزل بنو فلان بدارهم المعروفة بهم» واصفا هذا التعريف للقارىء في هذا العصر ، بأنه كمن عرف الشىء بنفسه ، ولذا نجده ـ أي العياشي ـ في تحديد مساكن القبائل التي استقرت بالمدينة المنورة بدءا بالعمالقة ، ومرورا باليهود ، وانتهاء بالأنصار ، ثم المهاجرين من بعدهم ، يرجع إلى النصوص التي أوردها «الطبري» أو «ابن كثير» أو «السيد السمهودي» «يثبت ما توافق فيه النص مع التطبيق العملي ، وينفي ما خالف هذه القاعدة العلمية ، ولقد سمعته ـ في حياته ـ يتحدث عن قيمة كتب السمهودي» «وفاء الوفا» في تاريخ المدينة المنورة ، وأنه يعد «السمهودي» أستاذا له ، ولكنه أردف يقول : إنه يختلف معه عند ما يجد ما كتبه لا تؤيده شواهد واقع الموضع أو الأثر نفسه.
وإنني لأذكر تلك الدهشة التي بدت على زميلي الدكتور «رشاد مفتي» في أثناء دراستنا في جامعة «لانكستر» بالمملكة المتحدة ، بعد اطلاعه على كتاب «العياشي» ، وذلك لارتباط دراسته «الجيولوجية» بحرة المدينة الشرقية ، لقد كان سبب دهشته هو إلمام هذا الرجل بعلم «الجيولوجيا» واستفادته من بعض أسسه ، وهو الذي لم يعرف عنه تلقيه لأي دراسة «أكاديمية» في معرفة تكوين الحرار في المدينة ، وما يمكن أن تدل عليه صلابة أحجارها أو ألوانها ، ثم ما تركته عوامل التعرية على كل حرة من هذه الحرار التي تشكل مظهرا طبيعيا خاصا بأرض المدينة.
** كنت أسأل هذا العالم التاريخي ـ رحمهالله ـ عن غزوة من غزوات الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الهامة ، وهي غزوة «أحد» ، فلم يكتف بأسلوب السرد النظري الذي يأخذ به كثير ممن دونوا أخبار هذه الغزوات ،