وما يرتبط بأحداثها من مواضع وأشخاص ، بل قادني إلى منطقة أحد ، وعين على الطبيعة الميادين الأربعة لتلك المعركة الشهيرة ، حتى إذا ما سألته عن الموضع الذي كان الناس يسمونه المصرع وكان يقوم فيه بستان من بساتين المدينة القديمة ، فإذا به يستوقفني ليقول : «إن الناس يتوهمون أن سيدنا حمزة بن عبد المطلب ـ رضياللهعنه ـ قتل في هذا المكان. ولهذا يسمونه خطأ «المصرع» ، وهو في حقيقة الأمر ميدان من الميادين المذكورة التي نشب فيها القتال بين المسلمين وكفار قريش ، ثم يتوجه بي إلى مكان قديم كان يقوم بالقرب من منطقة قبور الشهداء ، ويشير إلى صخرة من الحجر الجرانيت الأحمر ، ليقول : «هذه الصخرة (٢) التي كان يختبيء ـ تحتها ـ وحشي ، عند ما عزم على قتل الشهيد حمزة بن عبد المطلب ـ رضياللهعنهما».
** ثم شاهدته يحدّد على الطبيعة ـ أيضا ـ وبالقرب من جبل «سلع» موضع الخندق الذي حفره رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حول المدينة المنورة في غزوة «الأحزاب» باستشارة «سلمان الفارسي» ـ رضياللهعنه ـ لقد كان ـ يومها ـ يومىء بعصاته التي كان يتوكأ عليها ، إلى المواضع ، وكأنه شاهد تلك الأحداث العظام ، وعايش أبطالها من صحابة رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لقد حدثني كيف أن حفر ذلك الخندق في مدة وجيزة ، وبأيد محدودة ، لم يكن ليتم ، لو لا أن الله بارك لعباده المؤمنين في الزمن ، فأنجزوه في الوقت المناسب ، يصدون به العدو ، ويصونون به البلد الطاهر من أن تنتهك حرمته التي بقيت مرعية على مر العصور ، إلى وقتنا الحاضر.
** ويخرج «العياشي» كتابه «المدينة بين الماضي والحاضر» والذي لم يترك فيه منزلا من المنازل التي كان ينزلها صحابة رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلا وأبرز موضعه ، ولا مسجدا من المساجد التي ذكرها المؤرخون ـ قبله ـ إلا وأجلى حقيقة تاريخه ، ولا جبلا من الجبال التي تقف شامخة في هذا البلد الطيب إلا وحدد طوله وعرضه ، من جميع الجهات ، ذاكرا الوديان التي تحيط به ، وما يتجمع فيها من سيول ، حتى إذا ندّ عن ذكراته شيء من المعلومات يصوغ عبارته الوصفية لتتناسب مع المعلومة التي لا يعتقد بجزميتها : لذا نجده ـ في تحديد طول جبل «أحد» من الجهة الشمالية ـ يقول : «أما طوله من الجهة الشمالية فقد نسيت ضبطها ، واعتقد أنه ستة ، أو يزيد شيئا بسيطا». (٣)