المدينة كانت تشكله مجموعة الأغوات والحامية العسكرية التركية : وهم من ينعتهم «بالأجانب» في موضع آخر من القصيدة ، حيث يقول :
سوسوا البلاد بعين من نفوسكم |
|
دعوا الأجانب ، أعطوا القوس باريها |
وكلمات راعي «ورعية» التي استعملها الشاعر ـ في البيت السابق ـ تشكل لنا ـ بصورة رمزية ـ صورة شعرية للسكان الآمنين ، الذين وقعوا في شراك عدوين ، أحدهما من الداخل ، والآخر من الخارج.
وعند ما نأتي إلى البيت السادس من مقدمة القصيدة ، والذي يقول فيه :
يا دمنة سلبت منها بشاشتها |
|
وألبست من ثياب المحل باقيها |
نجد الشاعر يدعو مدينته باسم «دمنة» والجملة التي عقبت كلمة «دمنة» توضح لماذا استعمل الشاعر هذه الكلمة الدالة على الأثر ، لقد فقدت البلدة سمات فرحها أو سرورها ، أو تم اغتصاب مظاهر الحياة فيها لتحل محلها صورة أخرى ـ كما عبر الشطر الثاني من البيت وهي صورة البؤس والشقاء والحرمان ، ولقد كان لبناء الفعل للمجهول في قوله : «سلبت» و «ألبست» ، دور في تكثيف الصورة الشعرية ، وما ترمز إليه من إيحاءات ، كان يهدف الشاعر إلى التأثير بها في نفوس قارئيه عن الوضع السيء للبلدة ، بعيدا عن المباشرة والتقريرية.
(٢)
** لقد كان «البيتي» واعيا بأهمية العبارة المجازية ، ودورها في التأثير على نفس القارىء ، إلا أن نوعية هذه العبارة من حيث قوتها وأصالتها هي التي تجعلنا نصل إلى رأي في تحديد شاعرية المبدع. كما يعبر عن ذلك الناقد «هيربيرت رييد» (HERBERT READ) في مجموعة مقالاته النقدية المعروفة ، وهذا يدفعنا إلى أن نقف عند الأسلوب الشعري الذي عمل الشاعر ، من خلاله ، على البرهنة على غفلة الحكام العثمانيين.
لقد نأى الشاعر عن المباشرة في خطابه الشعري لهؤلاء الحكام واعتمد