على الصورة البلاغية ، التي تكتفي بتصوير الأثر عن طريق ترك الحرية للقارىء لاستنتاج الحقيقة ، أو الحكم على القضية التي كان يسعى الشاعر ـ بوعيه العميق ـ أن يبرهن عليها ، من خلال الصورة البسيطة المنتزعة من التجربة الإنسانية.
يقول الشاعر رامزا إلى تغاضي العثمانيين عن المفاسد ، التي كانت تتعرض لها البلدة الطاهرة :
يا آل عثمان عين في ممالككم |
|
مطروفة لطمتها كف واليها |
(٣)
** ينوع الشاعر في وسائله الفنية ، التي أحكم من خلالها البناء الشعري لقصيدته فهو إضافة إلى وعيه بأهمية العبارة المجازية والبسيطة في الوقت نفسه ، في رسم أبعاد الأجواء السياسية والاجتماعية للمدينة في تلك الفترة ، نجده ـ أيضا ـ لا يغفل عن الموروث الشعري ، ذي الصلة الوثيقة بالتاريخ الإسلامي للبلدة ، فهو يشير إليه عن طريق استعارة بعض عباراته أو تضمينها ، ولكن هل هو التضمين غير الواعي؟ أو هي الاستعارة الزائفة التي لا تتعدى الصور والأشكال؟
أعتقد أن الشاعر وفق إلى ـ حد ما ـ في أن يستفيد من بعض الأساليب الشعرية القديمة ، وذلك لوعيه المتمثل في حسن استخدامه لها. فلئن قال الشاعر «البوصيري» شعرا يتشوق فيه إلى ديار الإسلام ، ويتغنى بربوعها في وقت كانت تنعم هذه الديار ـ فيه ـ بالسلام والأمن :
أمن تذكر جيران بذي سلم |
|
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم |
فإن الشعر في عهد «البيتي» يتوجه لرثاء المواطن ، التي كانت تتجاوب بكل طمأنينة وسرور مع شعر المدح والحنين.
يقول «البيتي» موضحا الفرق بين عصرين مختلفين من خلال الفرق بين نوعين متغايرين ـ أيضا ـ من الشعر ، شعر قاله الأقدمون غزلا ، وشعر يقوله شاعرنا رثاء :