دورا هاما في نشر العلم والثقافة الإسلامية ، وليس أدل على ذلك من بروز عالم متمكن في علوم الشريعة الإسلامية وهو الشيخ إبراهيم بن حسن ابن شهاب الدين الكردي الكوراني (١٠٢٥ / ١١٠٣ ه). الذي تتلمذ على أحد العلماء المجاورين بالمدينة وهو الشيخ أحمد القشاشي ثم درّس بالمسجد النبوي ، وتلقى العلم عنه عدد كبير من أبناء الأمة الإسلامية ، وترك ثروة علمية تقدر بما يزيد على مائة كتاب كما يذكر المؤرخ المرادي. (٢) إضافة إلى ذرية صالحة حملت العلم عنه ، وكان منهم الشيخ محمد سعيد بن إبراهيم الكوراني (٣) (١١٣٤ / ١١٩٦ ه) والشيخ محمد أبو الطاهر الكوراني (٤) (١٠٨٥ / ١١٤٥ ه) وقد أخذ العلم عن هذا الأخير العلامة المجدد الشيخ ولي الله الدهلوي ـ صاحب : «حجة الله البالغة» الذي استقر بالمدينة في الفترة ١١٤٣ / ١١٤٥ ه ، وكان ملازما طوال تلك الفترة للشيخ أبي الطاهر الكوراني. (٥)
كما حفل الحرم النبوي الشريف في القرن الثاني عشر الهجري بحلقاته العلمية المتعددة. ومن هذه الحلقات ما كان مختصا بعلم اللغة والأدب مثل حلقة الشيخ محمد بن محمد الطيب الفاسي الذي كان تلميذا من تلامذة الشيخ محمد أبي الطاهر الكوراني ، ولقد كان الفاسي إماما في اللغة العربية في وقته ، ومحققا متضلعا في كثير من العلوم كما تدل على ذلك قائمة الكتب التي تنسب إليه. كشرحه على معجم القاموس ، وشرح «نظم الفصيح» وشرح «كافية بن مالك» وشرح «شواهد الكشاف» للزمخشري. (٦)
كما حفل المسجد ـ في الفترة نفسها ـ بحلقات أخرى كانت مختصة بالحديث وعلومه ، ومنها حلقة الشيخ محمد حياة السندي (٧) الذي تلقى علومه من مشائخ عدة يأتي في مقدمتهم الشيخ أبو الحسن بن عبد الهادي السندي (٨) والشيخ محمد أبو الطاهر الكوراني ، ثم تصدى للتدريس بعد وفاة شيخه السندي ، وأثمرت هذه الدروس ، عن تأليفه لكتب هامة منها شرح الترهيب والترغيب ، ومختصر الزواجر لابن حجر ، وشرح الأربعين ، ولعله من المفيد هنا أن ننقل عبارات الدكتور عبد الله العثيمين أستاذ التاريخ بجامعة الملك سعود بالرياض في كتابه (الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ حياته وفكره ـ عن الشيخ محمد حياة السندي) ، أما محمد حياة السندي فكان حجة في الحديث وعلومه صاحب مؤلفات مشهورة في هذا الحقل ، وكان أستاذا لعدد