على إنشاء بعض قصائده أن نصغي لصوته الشعري المتجدد والذي يلتزم بقضايا أمته ويعيش همومها وأحداثها ، وذلك الفرق بين قصيد يموت بعد ولادته وآخر يردده ـ بدون ملل ـ فم الزمان لأبنائه.
(٢)
تطرقت في الموضوع السابق لشاعرية السيد عبيد ، ومدى التزامه بقضايا أمته المصيرية والتي عبر عنها بوضوح وصدق في تلك القصائد التي دعاها ناشرو الديوان من أبناء السيد عبيد نفسه بالوطنيات ولقد عرفت بيئة المدينة المنورة منذ العصر الجاهلي حتى وقتنا الحاضر بكثرة الشعراء ، إلا أن الدارس للإنتاج الشعري الذي أبدعه شعراء المدينة المنورة منذ القرن الثاني عشر الهجري بإمكانه أن يقف على عدد من تلك القصائد التي تسعى للتعبير عن القضايا التي تهم الأمة الإسلامية والعربية .. ويعتبر السيد جعفر محمد البيتي (١١١٠ / ١١٨٢ ه) الذي نظم ملاحمه الشعرية في وصف أحوال المجتمع المدني وتحذير الخلافة العثمانية من مغبة التساهل تجاه الأراضي المقدسة ، أول رائد لهذا الفن الشعري القوي .. ولعل الشاعر إبراهيم الأسكوبي (١٢٦٤ / ١٣٣١ ه) قد تأثر بسلفه البيتي وربما وجدنا آثارا لذلك الشاعر في قصيدته المشهورة التي نظمها قبل الحرب العالمية الأولى ووجهها إلى حلفاء الدولة العثمانية صيحة إرشاد وتنبيه من الأعداء الذين لا يكفون عن السعي للنيل من الإسلام وأهله .. ثم كانت قصائد الشيخ محمد العمري (١٢٨٢ / ١٣٦٥ ه) التي يخاطب فيها بعض دول الاستعمار الأوروبية التي عانت من ظلمها وتعسفها كثير من الشعوب الإسلامية لزمن غير قصير .. ولقد كان الشاعر العمري ـ رحمهالله ـ رافدا فكريا مؤثرا في حياة السيد عبيد ـ رحمهالله ـ كما يذكر الأستاذ عبد القدوس الأنصاري ـ رحمهالله ـ في المقدمة التي كتبها للديوان في عام ١٣٧٧ ه .. فلا غرابة إذن أن نجد عند محاولتنا لقراءة وطنيات السيد عبيد ملامح من ذلك الموروث الشعري القديم ابتداء من البيتي وانتهاء بالعمري.
وربما أدى إلى ذلك التأثر قراءة السيد عبيد لذلك الموروث حيث اشتملت مكتبته على عدد من الدواوين الشعرية المخطوطة ومن بينها مخطوطة ديوان السيد البيتي والتي تمكنت من الاطلاع عليها بعد وفاة السيد عبيد كما اطلع