شيخ ، حدّثنا يحيى بن سعيد الأموي ، عن السّري بن إسماعيل ، عن الشعبي قال :
كان الأخطل ينشد عبد الملك شعره فأنشده عروضة (١) من أشعار العرب ، فغممته ولا أشعر ، فجلس لي يوما على باب عبد الملك ، فلما مررت قام إليّ فقال : يا هذا إنّي آخذ من وعاء واحد ، وإنّك تأخذ من أوعية شتى ، قال : فكففت.
أخبرنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفقيه ، أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن أبي نعيم النّسوي ، أنبأنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنبأنا عمّي أبو علي محمّد بن القاسم بن معروف قال : فحدّثني علي بن بكر ، حدّثنا محمود بن محمّد ، حدّثنا عبيد الله ، حدّثنا محمّد بن حسان ، حدّثنا هشام بن الكلبي ، عن أبيه قال :
كتب عبد الملك إلى الحجاج : إنه لم يبق عليّ لذة من لذّات الدنيا إلّا وقد بلغتها ، إلّا محادثة الرجال ، فوجّه إليّ بعامر الشعبي مكرّما ، فأمره الحجاج بالتجهّز ، ثم خرج ، قال : فقدمت على أمير المؤمنين فوافيت بابه ، فلقيت حرسيّا ، فقلت : استأذن لي على أمير المؤمنين ، قال الحرسيّ : من تكون (٢) يرحمك الله؟ قلت : عامر الشعبي ، فدخل وما أبطأ حتى خرج ، فقال : ادخل ، فدخلت فإذا عبد الملك في صحن الدار على كرسيّ في يده خيزرانة وبين يديه شيخ جالس لا أعرفه ، فسلّمت فردّ عليّ وقال : كيف حالك يا شعبي؟ قلت : بخير يا أمير المؤمنين ، ما زلت صالحا ، ثم أومى إليّ فجلست بين يديه ، ثم أقبل على الشيخ فقال : ويحك ، من أشعر الناس؟ قال : الذي بينك وبين الحائط ، قال الشعبي : فأظلم عليّ ما بين السماء (٣) والأرض فقلت : من هذا يا أمير المؤمنين؟ أشعر منه شاب كان عندنا قصير الباع يقول (٤) :
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته |
|
وقد يكون مع المستعجل الزلل |
والناس من يلق خيرا قائلون له |
|
ما يشتهي ، ولأمّ المخطئ الهبل |
فقال عبد الملك : أحسن والله من يقوله؟ قلت : القطامي ، قال : لله أبوه ، وإذا الشيخ الأخطل قال : يا شعبي إنّ لك فنونا تفتن فيها ، وإنّما لي فن واحد ، وهو هذا الشعر ، فإن رأيت أن لا تعرض عليّ فيه ولا تكلّفني أن أحمل قومك على كاهل فاجعلهم غرضا للعرب ،
__________________
(١) كذا بالأصل.
(٢) بالأصل : تكن.
(٣) «بين السماء» اللفظتان طمستا بالأصل ، وغير مقروءتين في ت لسوء التصوير ، والمثبت عن المختصر.
(٤) البيتان للقطامي ، وهي في ديوانه ص ٢٥ والأغاني ٢٤ / ٤٧.