فافعل ، قال الشعبي : فقلت : لا أعود لك في مساءة ، ثم أقبل عليه عبد الملك فقال : ويلك ، من أشعر الناس؟ فقال : قد أعلمتك مرة ، فو الله ما صبرت أن قلت : أشعر منه يا أمير المؤمنين الذي قدّمه عمر ؛ خرج عمر يوما على أسد وغطفان فقال : من الذي يقول :
أتيتك عاريا خلقا ثيابي |
|
على خوف تظنّ بي الظّنون؟ (١) |
قالوا : النابغة قال عمر : هذا أشعر الشعراء ، فلمّا كان الغد خرج فقال : من الذي يقول (٢) :
ولست بمستبق أخا لا تلمّه |
|
على شعث أيّ الرّجال المهذّب؟ |
فقالوا : النابغة ، فقال : هاذ والله أشعر الشعراء ، فغضب الأخطل ، فقال : يا شعبي ما أسرع ما رجعت ، فقلت : ما أعود لك في مساءة ، ثم أقبل عليه فقال : من أشعر النساء؟ قال : ليلى الأخيلية ، فما صبرت أن قلت : أشعر النساء والله من قدّمها عمر قال : ومن هي؟ قلت : خنساء ، قال عمر : من الذي تقول (٣) :
وقائلة والنّفس تقدم خطوها |
|
لتدركه : يا لهف نفسي على عمرو (٤) |
ألا ثكلت أمّ الذين عدوا به |
|
إلى القبر ما ذا يحملون إلى القبر |
فقالوا : هذه خنساء ، فقال عمر : هذه أشعر النساء ، فقال عبد الملك : صدق أمير المؤمنين.
قال : وحدّثنا علي بن بكر ، عن ابن خليل قال ابن عبيدة (٥) :
دخل الأخطل على عبد الملك بن مروان فاستنشده (٦) فقال : قد يبس حلقي فمن يسقيني؟ قال : اسقوه ماء ، قال : شراب الحمار هو عندنا كثير ، قال : فاسقوه لبنا ، قال : عن اللبن فطمت ، قال : فاسقوه عسلا قال : شراب المريض وأنا صحيح ، قال : فتريد ما ذا؟ قال : خمرا يا أمير المؤمنين ، قال : وعهدتني أسقي الخمر ، لا أمّ لك؟ لو لا حرمتك بنا لفعلت بك وفعلت ، فخرج فلقي فرّاشا كان لعبد الملك قال : ويلك! إن أمير المؤمنين استنشدني وقد
__________________
(١) البيت للنابغة الذبياني ، ديوانه صنعة ابن السكيت ـ طبعة دار الفكر ص ٢٦٤ وفي الديوان : فجئتك.
(٢) البيت للنابغة ، ديوانه صنعة ابن السكيت ـ طبعة دار الفكر ص ٧٨ وفي الديوان : فلست.
(٣) البيتان للخنساء ـ ديوانها ط بيروت ص ٥٢.
(٤) في الديوان : على صخر.
(٥) الخبر في الأغاني ٨ / ٢٩٤.
(٦) بالأصل : «فاستنشد» ، والمثبت عن الأغاني.