قال (١) : وحدّثنا ابن مروان ، حدّثنا يحيى بن المختار قال :
رأيت بشرا (٢) الحافي يبكي فقلت : ما يبكيك يا أبا نصر؟ فقال : دخلت على الفضيل ابن عياض ليلا وهو يبكي بمكة وهو يقول : يا ربّ أعريتني وأعريت عيالي ، يا ربّ أجعتني وأجعت عيالي ، فبأيّ يد لي عندك حتى (٣) فعلت بي هذا ، ثم بكى حتى رحمته ، فقلت له : يا أبا علي ، ما هذا البكاء؟ فقال لي : يا أبا نصر بلغني أنّ الصراط مسيرة خمسة عشر ألف عام ، خمسة آلاف صعود ، وخمسة آلاف نزول ، وخمسة آلاف مستوي (٤) ، أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف ، على متن جهنم ، لا يجوزها إلّا كلّ ضامر مهزول من خشية الله ، فبلغني في بعض الروايات أنه إذا دخل أهل الجنّة الجنّة ، وأهل النار النار ذكروا (٥) أهل الجنّة هل بقي أحد على الصراط بعد خمسة وعشرين ألف عام ، فقال : بقي رجل يحبو ، فبلغ ذلك الحسن البصري فقال : يا ليتني أنا ذلك الرجل ، فأنا يا أبا نصر لا أهدأ من البكاء أبدا.
قال : وأنبأنا ابن مروان ، حدّثنا أحمد بن علي ، حدّثنا عبد الصمد هو ابن يزيد مردويه ، قال :
قال الفضيل بن عياض ليلة [يا ربّ](٦) أجعتني وأجعت عيالي ، وأعريتني وأعريت عيالي ، ولي ثلاثة أيام ما أكلت ولا أكل عيالي ، ولي ثلاث ليال ما استصبحت ، فبم (٧) بلغت عندك حتى تفعل بي هذا ، وإنّما تفعل هذا يا ربّ بأوليائك أفتراني أنا منهم؟ إلهي إن فعلت بي مثل هذا يوما آخر علمت أنّي منك على بال ، فلمّا كان يوم الرابع ، فإذا داقّ يدقّ الباب فقال : من هذا؟ فقال : أنا رسول ابن المبارك ، وإذا معه صرّة دنانير ، وكتاب يذكر فيه أنه لم يحج هذه السنة وقد وجّهت بكذا وكذا ، قال : فجعل فضيل يبكي ويقول : قد علمت أنّي أشقى من ذلك أن أكون عند الله بمنزلة أوليائه.
قال : وأنبأنا ابن مروان ، حدّثنا أحمد بن علي المروزي ، حدّثنا عبد الصمد قال : سمعت الفضيل يقول (٨) :
__________________
(١) قوله : «قال : و» كتب فوق الكلام بين السطرين بالأصل.
(٢) بالأصل : بشر الحافي.
(٣) كلمة «حتى» كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل.
(٤) كذا بالأصل «مستوي» بإثبات الياء.
(٥) كذا بالأصل.
(٦) زيادة منا للإيضاح.
(٧) بالأصل : «فيما».
(٨) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٨ / ٩٠ من طريق آخر وسير أعلام النبلاء ٨ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥.