إنّ الله يزوي الدنيا عن وليه ويمرّرها عليه مرة بالعري ، ومرّة بالجوع ، ومرة بالحاجة ، كما تصنع (١) الوالدة الشفيقة بولدها (٢) ، مرّة صبرا ، ومرة حضضا (٣) وإنما تريد بذلك ما هو خير له.
أخبرنا أبو القاسم الحسني ، أنبأ رشأ بن نظيف ، أنبأنا الحسن بن إسماعيل ، حدّثنا أحمد بن مروان ، حدّثنا يحيى بن المختار قال :
سمعت بشر بن الحارث يقول : كنت بمكة مع الفضيل بن عياض ، فجلس معنا إلى نصف الليل ثم قام يطوف إلى الصبح ، فقلت : يا أبا علي ألا تنام؟ قال : ويحك ، وهل أحد سمع بذكر النار تطيب نفسه أن ينام.
أنبأنا أبو علي الحداد ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ (٤) ، حدّثنا محمّد بن علي ، حدّثنا أبو سعيد الجندي ، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم قال :
ما رأيت أحدا كان أخوف على نفسه ولا أرجى للناس من الفضيل ، كانت قراءته حزينة شهية بطيئة مترسّلة ، كأنه يخاطب إنسانا ، وكان إذا مرّ بآية فيها ذكر الجنة تردّد فيها وسأل ، وكانت صلاته بالليل أكثر ذلك قاعدا ، يلقى له حصير في مسجده فيصلّي من أول الليل ساعة ثم تغلبه عينه ، فيلقي نفسه على الحصير فينام قليلا ، ثم يقوم فإذا غلبه النوم نام ثم يقوم هكذا حتى يصبح ، وكان دأبه (٥) إذا نعس أن ينام ، ويقال : أشد العبادة ما يكون هكذا ، وكان صحيح الحديث صدوق اللسان ، شديد الهيبة للحديث ، إذا حدّث ، وكان يثقل عليه الحديث جدا ، ربّما قال لي لو أنك طلبت مني الدراهم كان أحبّ إليّ من أن تطلب منّي الأحاديث ، وسمعته يقول : لو طلبت مني الدنانير كان أيسر عليّ من أن تطلب مني الحديث ، فقلت له : لو حدثتني بأحاديث فوائد ليست عندي كان أحبّ إليّ من أن تهب لي عددها دنانير ، قال : إنك مفتون ، أم والله لو عملت بما سمعت لكان [(٦) لك في ذلك شغل عما لم تسمع ثم قال : سمعت] سليمان بن مهران يقول : إذا كان بين يديك طعام تأكله فتأخذ اللقمة فترمي بها خلف ظهرك كلّما أخذت اللقمة رميت بها خلف ظهرك متى تشبع.
__________________
(١) كذا بالأصل والحلية ، وفي المختصر : تفعل.
(٢) في الحلية : بولدها ، تسقيه مرة حضضا ، ومرة صبرا.
(٣) الح : دواء ، أو عصارة شجر معروف مرّ يشبه الصبر ، يتداوى به ، أو هو الصبر (راجع اللسان).
(٤) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٨ / ٨٦.
(٥) بالأصل : «كأنه» والمثبت عن حلية الأولياء.
(٦) ما بين الرقمين ليس في حلية الأولياء.