قال : بلى ولكنك نسيت ، قال الأعرابي : فكيف أقول؟ قال : لا أدري والله ، قال الأعرابي : فكيف ترى فرسي هذا؟ قال الغضبان : هو خير من [آخر](١) شر منه ، وآخر خير منه أفره منه. قال الأعرابي : إنّي قد علمت ذاك ، قال : لو علمت لم تسألني ، [قال الأعرابي](٢) إنك لمنكر ، قال الغضبان : إنك لمعروف ، قال : ليس ذاك أريد ، قال : فما تريد؟ قال : أردت إنك لعاقل ، قال : أفتعقل بعيرك هذا؟ قال الأعرابي : أفتأذن لي فأدخل عليك؟ قال الغضبان : وراءك أوسع لك ، قال الأعرابي : قد أحرقتني الشمس ، قال : [الساعة](٣) يفيء عليك الفيء ، قال الأعرابي : إنّ الرمضاء قد آذتني ، قال : بل على قدميك ، قال : قد أوجعني الحر ، قال الغضبان : ما لي عليه سلطان ، قال الأعرابي : إنّي لا أريد طعامك ولا شرابك ، قال : لا تعرّض بهما فو الله لا تذوقهما ، قال الأعرابي : سبحان الله ، قال : من قبل أن تطلع رأسك ، قال الأعرابي : أما عندك إلّا ما أرى؟ قال : بلى ، هرّاوتان أضرب بهما رأسك ، قال الأعرابي : الله ، قال : ما ظلمك أحد؟ فلمّا رأى ذلك الأعرابي قال : إنّي لأظنك مجنونا. قال الغضبان : اللهم اجعلني ممن يرغب إليك ، قال : إنّي لأظنك حروريا ، قال : اللهم اجعلني ممّن يتحرى (٤) الخير ، قال له الغضبان : أهذا بعيرك يا أعرابي؟ قال : نعم ، فما شأنه؟ قال : أرى فيه داء ، فهل أنت بائعه ومشتر ما هو شرّ منه ، فولّى الأعرابي وهو يقول : والله إنّك لبذخ (٥) أحمق.
فلما قدم الغضبان على الحجّاج قال : كيف تركت أرض كرمان؟ قال : أصلح الله الأمير أرض ماؤها وشل (٦) ، وثمرها دقل (٧) ، ولصها بطل ، والجيش فيها ضعاف ، إن كثروا بها جاعوا ، وإن قلّوا بها ضاعوا ، فقال له الحجاج : أما إنّك صاحب الكلمة التي بلغتني عنك حين قلت تغدّ بالحجاج قبل أن يتعشى بك؟ قال الغضبان : أما إنّها ـ جعلني الله فداك ـ لم تنفع من قيلت له ، ولم تضرّ من قيلت فيه ، قال الحجاج : اذهبوا به إلى السجن ، فلمّا ذهب به مكث فيه حتى إذا بنى الحجّاج خضراء واسط أعجبته ما لم يعجبه بناء قط ، فقال لمن حوله : كيف ترون قبتي هذه؟ قالوا : أصلح الله الأمير ، ما بنى ملك قط مثلها ، ولا نعلم للعرب مأثرة أفضل منها ، قال الحجّاج : أما إن لها عيبا ، وسأبعث إليّ من يخبرني به ، فبعث إلى الغضبان ،
__________________
(١) الزيادة بين معكوفتين زيادة عن الجليس الصالح.
(٢) الزيادة بين معكوفتين عن الجليس الصالح.
(٣) الزيادة عن الجليس الصالح.
(٤) في الجليس الصالح : يتخير الخير.
(٥) في الجليس الصالح : لمرح أحمق.
(٦) أي قليل.
(٧) الدقل : أردأ التمر ، وقد أدقل النخل. (القاموس).